للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "وهو بعيد" يجوز أن يريد به هذا البِنَاء، ووجه البعد فيه أن قضية وجوب المضي لحرمة الفريضة أن يقول بعدم الوجوب، إذا فقدنا تلك الحرمة فَأمَّا أَنْ نقول بِالبُطْلاَنِ فلم؟ وطريق توجيه البطلان أن يقال: رؤية الماء تقتضي البُطْلاَن مطلقاً، خالفناه في الفريضة لزيادة حرمتها كما أشرنا إليه، لكن صاحب الكتاب لم يرد استبعاد البناء، وإنما أراد استبعاد أصل الوجه، وهو بين من كلامه في "الوسيط"، واستقرب بالإضافة إليه التَّردد في زيادة الرَّكعات.

قال الغزالي: (الثَّانِي) أَنْ لاَ يَجْمَعَ بَيْنَ فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّم وَاحِدٍ وَيَجمَعَ بَينَ فَرْضٍ وَنَوَافِلَ وَبَيْنَ فَرْضٍ وَمَنذُورَةٍ إِنْ قُلْنَا: يَسْلُكُ بِهَا مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ لاَ مَسْلَكَ وَاحِبِهِ، وَبَينَ فَرْضٍ وَرَكْعَتَي الطَّوَافِ إِلاَّ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهُمَا فَرِيضَةٌ وَيَجْمَع بَيْنَهمَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ بِتيَمُّمٍ وَاحِدٍ عَلَى أَحَدِ الوَجْهَيْنِ؛ لأَنَّهُمَا كَالتَّابعِ لَهُ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَةٍ وَصَلاَةِ جَنَازَةٍ، وَلاَ يَقْعُدُ فِي صَلاَةِ الجَنَازَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ، هَذَا نَصُّهُ وَقِيلَ قَوْلاَنِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ، وَقِيلَ: إن تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَلَهَا حُكْمُ الْفَرْضِ، وَقِيلَ: لَهَا حُكْمُ النَّفْلِ وَلكِنَّ القُعُودَ لاَ يَحْتَمِلُ مَعَ القُدْرَةِ لأَنَّ القِيَامَ أَظْهَرُ أَرْكَانِهَا.

قال الرافعي: لا يؤدِّي بِالتَّيمم الواحد، ممَّا يتوقَّف على الطَّهارة إلا فريضة واحدة، خلافاً لأبي حنيفة، حيث قال: يؤدي به ما شاء.

وكذلك قال أحمد في رواية، وفي رواية أخرى يتيمَّم لوقت كل صلاة.

لنا ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: "مِنَ السُّنَّةِ ألاَّ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّم إِلاَّ مَكْتُوبَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِلأْخْرَى" (١). والسُّنَّةُ في كلام الصَّحابي تنصرف إلى سنَّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٢)؛ لأن التَّيمُّم طَهَارة ضرورة، فلا تؤدِّي به فريضتان، ولا فرق


(١) قال الحافظ: أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريق الحسن بن عمارة، عن الحكم عن مجاهد عنه، والحسن ضعيف جداً، وفي الباب موقوفاً عن علي وابن عمر، وعمرو بن العاص: أما علي: فرواه الدارقطني وفيه حجاج بن أرطأة، والحارث الأعور، وأما ابن عمر: فرواه البيهقي عن الحاكم من طريق عامر الأحول، عن نافع عن ابن عمر قال: يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث، قال البيهقي: هو أصح ما في الباب، قال: ولا نعلم له مخالفاً من الصحابة، وأما عمرو بن العاص: فرواه الدارقطني من طريق عبد الرزاق عن معمر عن قتادة، أن عمرو بن العاص كان يتيمم لكل صلاة، وبه كان يفتي قتادة، وهذا فيه إرسال شديد بين قتادة وعمرو. انظر التلخيص (١/ ١٥٥).
(٢) قول الصحابي: من السنة كذا، أو أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا، وما أشبه كله مرفوع على الصحيح الذي قاله الجمهور، لأن مطلق ذلك يصرف بظاهره إلى من له الأمر والنهي، ومن يجب اتباع سنته وهو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحتمال ان يكون الأمر غيره، وأن يريد سنة غيره بعيد، وإن =

<<  <  ج: ص:  >  >>