فأمَّا أن يتفق الإقرار في بلد دراهمه تامة، أو في بلد دراهمه ناقصة، إن كان الأول، فإما أن يذكره منفصلاً أو متصلاً، فإن ذكره متصلاً فطريقان.
أصحهما: القبول، كما لو استثنى، وكأنه استثنى من كل درهم دَانِقَيْنِ.
والثاني: وبه قال ابْنُ خَيْرَانَ: أنه على قولين، بناء على أن الإقرار هل يتبعض؟ وقد يوجه القبول بما سبق، والمنع بأن اللفظ صريح فيه، وما كل لفظ يتضمن نقصانًا يصلح للاستثناء، ألا ترى أنه لو قال: عليَّ ألف بل خمسائة يلزمه الألف، وإن ذكره منفصلاً لم يقبل، وعليه وزن درهم الإِسلام إلاَّ أن يصدقه المقر له؛ لأن لفظ الدراهم صريح في القدر المعلوم، وعرف البلد مؤيد له واختار القاضي الروياني أنه يقبل؛ لأن اللفظ محتمل له، والأصل براءة الذمة، وحكاه عن جماعة من الأصحاب، وهو غريب، وإن كان الثاني، فإن ذكره متصلاً قُبِلَ؛ لأن اللفظ والعرف يصدقانه، وإن ذكره منفصلاً فوجهان:
أحدهما: لا يقبل، ويحمل مطلق قراره على وزن الإِسلام، وهذا كما أن نصب الزكاة لا تختلف باختلاف البلاد.
وأظهرهما: وهو المحكي عن نصه: أنه يقبل حملاً لكلامه على نقد البلد؛ لأن العرف أثرًا بينًا في تقييد الألفاظ بأهل العرف، وصار كما في المعاملات، ويجري الخلاف فيما إذا أقر في بلد وزن دراهمه أكثر من وزن دراهم الإسلام، مثل "غزنة"(١) أنه يحمل إقراره على دراهم البلد، أو على دراهم الإسلام.
إن قلنا: بالأول، فلو قال: عنيت دراهم الإسلام منفصلاً لم يقبل، وإن قاله متصلاً، ففيه الطريقان السابقان. والأصح: القبول مطلقًا؛ وقد ذكرنا فيه خلافًا إذا كان الإقرار في بلد وزن دراهمه كامل.
وقوله:"وإن كان منفصلاً لم يقبل" يجوز إعلامه -بالواو- كما قاله الروياني.
الثانية: الدراهم عند الإطلاق إنما تستعمل في النُّقرة فلو أقر بدراهم، وفسرها بالفلوس لم يقبل، والتفسير بالدراهم المغشوشة، كالتفسير بالناقصة؛ لأن نقرتها لا تبلغ وزن الدراهم، فيعود فيه التفصيل المذكور في الناقصة، ولو فسر بجنس رديء من الفضة، أو قال: أردت من سكّة كذا، وهي غير جارية في تلك البلد قُبِلَ، كما لو قال: عليَّ ثوب، ثم فسره بجنس رديء، أو بما لا يعتاد أهل البلد لُبْسه، ويخالف ما لو فسر بالناقصة؛ لأنه يرفع شيئًا مما أقر به وهاهنا بخلافه، ويخالف البيع حيث يحمل على