سكّة البلد؛ لأن البيع إنشاء معاملة، والغالب أن المعاملة في كل بلدة تقع بما يروج فيها، ويتعامل الناس بها والإقرار إخبار عن سابق، ربما ثبت بمعاملة في تلك البلدة، وربما ثبت بغيرها، فوجب الرجوع إلى إرادته، ولأنه لا بد من صيانة البيع عن الجهالة، والحمل على ما يروج في البلد أصلح طريق تنتفي به الجهالة، والإقرار لا تجب صيانته عن الجهالة. وقال المُزَنِيُّ: لا يقبل تفسيره بغير سكّة البلد. وحكاه الشيخ أبُو حَاِمدٍ عن غيره من الأَصْحَابِ.
الثالثة: إذا قال: عليَّ دريهم، أو دريهمات، أو درهم صغير، أو دراهم صغار، ففيه اضطراب رواية الذي ذكره الإمام -رحمه الله- وصاحب الكتاب أنه كما لو قال: درهم أو دراهم، فيعود في التفسير بالنقص التفصيل السابق، وليس التقييد بالصغر، كالتقييد بالنقصان؛ لأن لفظ الدراهم صريح في الوزن والوصف بالصغر يجوز أن يكون من حيث الشكل، ويجوز أن يكون الإضافة إلى الدراهم البغلية، وساعدهما صاحب "التهذيب" على ما ذكره في الدريهم، وقال في قوله: درهم صغير: إِن كان "بطبرية" لزمة نقد البلد، وإن كان ببلد ووزنه وزن "مكة" فعليه وزن مكة، وكذلك إن كان "بغزنة"؛ ولك أن تقول: الجواب فيما إذا كان "بطبرية" لا يلائم الجواب فيما إذا كان "بغزنة"؛ لأنه إما أن يعتبر اللفظ، أو عرف البلد، إن اعتبرنا اللفظ، فيجب الوزن بالطبرية، وإن اعتبرنا عرف البلد، فيجب نقد البلد نقرة.
وقال الشيخ أَبُو حَاِمدٍ ومن تابعه: إذا قال: دريهم، أو درهم صغير لزمه درهم من الدراهم الطبرية؟ لأنها أصغر من دراهم الإسلام، وهي أصغر من البغلية على ما بينا في الزكاة، فهي صغر الصغيرين باليقين، فيؤخذ باليقين، ولم يفرق بين بلدة وبلدة، ويشبه أن يكون الأظهر من هذه الاختلافات ما تضمنه الكتاب ولأنا لا نفرق بين أن يقول: مال وبين أن يقول: مال صغير، وكذلك في الدراهم، وهو ظاهر ما ذكره في "المختصر".
ولو قال: على درهم كبير، فعلى قياس ما في الكتاب، هو كما لو قال: درهم.
ونقله الشيخ أَبُو حَامِد، وهو أفقه.
وقال في "التهذيب": إن كان ببلد وزنه "مكة" أو "طبرية" لزمه وزن "مكة" وإن كان "بغزنة" لزمه من نقد البلد، وفيه الإشكال الذي ذكرناه.
الرابعة: عرفت أن قدر الدرهم وجنسه ماذا أما من حيث العدد، فإذا قال: عليَّ دراهم يلزمه ثلاثة، ولا يقبل تفسيره بأقل منها، وكذلك لو قال: عليَّ دراهم كثيرة، أو عظيمة، ويجئ فيه الوجه المذكور في المال العظيم، والكثير، ولو قال: عليَّ أقل أعداد الدراهم لزمه درهمان؛ لأن العدد هو المعدود، وكل معدود متعدد، فيخرج عنه الواحد، ولو قال: عليَّ مائة درهم عددًا لزمه مائة درهم بوزن الإسلام صحاح.