أحدهما: أنه يحتمل في الإقرار أن يريد فدرهم لازم، أو فدرهم أجود منه، ومثل هذا لا يقدح في الطلاق.
والثاني: أن الطلاق انشاء والإقرار إخبار، والإنشاء أقوى وأسرع نفوذًا، ولهذا لو أقر اليوم بدرهم لا يلزمه إلاَّ درهم، وغدا بدرهم لا يلزمه إلاَّ درهم ولو تلفظ بالطلاق في اليومين وقعت طلقتان، وهذا أظهر في المذهب، لكن لابْنِ خَيْرَانَ أن يمنع الفرق الأول ويقول: يجوز أن يريد فطالق مهجورة، أو لا تراجع، ويجوز أن يريد فطالق حرمتك وما أشبهه.
وأما الثاني: فإنه يناقض الفرق المذكور في مسألة درهم ودرهم وطالق وطالق.
وقوله في الكتاب:"يلزمه درهم واحد" معلّم -بالحاء والألف- لأن عندهما يلزمه درهمان. وقوله:"يقع طلقتان" يجوز إعلامه -بالواو- لأنه لم يذكر طريقة النقل والتخريج بتمامها، حتى يستغني عن الإعلام، وإنما ذكر التخريج من الطلاق في الإقرار.
ورأيت في بعض الشروح أن ابْنَ أبِي هُرَيْرَةَ -حكى قولاً منصوصًا للشافعي -رضي الله عنه- أنه يلزمه درهمان، ويتأيد هذا القول منصوصًا كان أو مخرجًا بما إذا قال: درهم ودرهم، فإنه يلزمه درهمان، ولا يمتنع فيه مثل التقديرات المذكورة في "الفاء"، ولو قال: عليَّ درهم فقفيز حنطة، فلا يلزمه إلاَّ درهم، أو ويلزمانه جميعًا، فيه هذا الخلاف.
وذكر أبُو العَبَّاسِ الرّويَانِيُّ في "الجُرْجَانِيَّاتِ" أن قياس ما ذكرناه في الطلاق أنه إذا قال: بعتك بدرهم فدرهم، يكون بائعًا بدرهمين؛ لأنه إنشاء.
الرابعة: قال عليَّ درهم، بل درهم لم يلزمه إلاَّ درهم لجواز أن يقصد الاستدراك، فيتذكر أنه لا حاجة إليه، فيعيد الأول ولو قال: درهم لا بل درهم ولكن درهم، فكذلك ولو قال: درهم لا بل درهمان أو قفيز حنطة لا بل قفيزان لم يلزمه إلاَّ درهمان وقفيزان؛ لأن "بل" للاستدراك، ولا يمكن أن يكون المقصود هاهنا نفي المذكور أولاً لاشتمال الدرهمين على الدرهم والقفيزين على القفيز، وإنما المقصود في الاقتصاد على الواحد، وإثبات الزيادة عليه، وهذا يشكل بما إذا قال: أنت طالق طلقة، بل طلقتين فإنه يقع الثلاثة، ولا أدري لِمَ يتصرفوا فيهما هاهنا تصرفهم فيما سبق من المسائل؟ ثم ما ذكرناه مفروض فيما إذا أرسل ذكر المقر به أما إذا قال: له عندي هذا القفيز، بل هذان القفيزان لزمه الثلاث؛ لأن القفيز المعين لا يدخل في القفيزين