للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على فسادها جارية بين الناس، فعلى هذا اللمقر له تحليف المقر إنه كان من ثمن خمر أو خنزير، وأصحهما عند العراقيين وغيرهم أنه لا يقبل ويلزم الألف (١) ويبعض كلامه.

والثاني: لا يقبل، فيعتبر أوله، ويلغى آخره، لأنه وصل بإقرار ما يرفعه، فأشبه ما إذا قال: عليَّ ألف لا تلزمني أو فصل -قوله: عن ثمن خمر عن الإقرار، وبهذا قال أبو حنيفة -رحمه الله- فعلى هذا لو قال المقر: كان ذلك من ثمن خَمْرٍ، وظننته لازمًا، فله تحليف المقر له على نفيه، ويجري القولان فيما إذا وصل بإقراره ما ينتظم لفظه في العادة، ولكنه يبطل حكمه شرعًا إذا أضاف المقرّ به إلى بيع فاسد، كالبيع بأجل مجهول، وخَيار مجهول وقال: تكفلت ببدن فلان، بشرط الخيار أو ضمنت لفلان، كذا بشرط الخيار، وما أشبه ذلك، وفي كلام الأئمة -رضي الله عنهم- ذكر مأخذين لهذا الخلاف.

أحدهما: بناه على القولين في تبعيض الشهادة، إذا شهد لابنه وأجنبي، ولك أن تقول: هذا لا يشبه مسألة الشهادة، لأن الشهادة للأجنبي، والشهادة للابن أمران لا تعلق لأحدهما بالآخر، وإنما قرن بينهما الشاهد لفظًا، والخلاف فيها شبيه بالخلاف في تفرق الصَّفقة [وأما هاهنا، فالمذكور أولاً مستند إلى المذكور آخرًا، ولكنه فاسد في نفسه، مفسد للأول، ولهذا] (٢) لو قدم ذكر الخمر، فقال: لفلان عليَّ من ثمن الخمر ألف لم يلزمه شيء بحال، وفي الشهادة لا فرق بين أن يقدم ذكر الابن أو الأجنبي، ثم هب أنهما متقاربان، لكن ليس بناء الخلاف في الإقرار على الخلاف في الشَّهادة بأولى من القلب، والعكس.

والثاني: أنه يجوز بناء هذا الخلاف على الخلاف في حد المدعي، والمدعى عليه. إن قلنا: المدعي من لو سكت ترك، فهاهنا لو سكت عن قوله: من ثمن خمر لترك، فهو بإضافته إلى الخَمْر مدعٍ، فلا يقبل قوله، ويحلف المقر له.

وإن قلنا: المدير من يدير أمرًا باطنًا، قبل قول المقر؛ لأن الظاهر معه، وهو براءة الذمة، والمقر له هو الذي يدعي أمرًا باطنًا، وهو زوال أصل البراءة، ولك أن تقول: لو صَحَّ هذا البناء لما اقترن الحال بين أن يضيفه إلى الخمر موصولاً، أو مفصولاً، ولوجب أن يخرج التعقب بالاستثناء على هذا الخلاف.


(١) قال الأذرعي قضية إطلاق المصنف وغيره أنه لا فرق من تبعيض إقراره بين كون المتداعين مسلمين أو ذميين مثلاً، وفي عدم تصديق النصراني في أن المقر به من ثمن خمر أو خنزير نظر، لأنهم يرون ذلك مالاً وصدقه محتمل، والأصل براءة ذمته، ولا يكون كلامه متدافعًا بالنسبة إلى ما عنده. ينظر الروضة ٤/ ٤٦.
(٢) سقط في ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>