ملك الغير، فلا يلزمه شي، كما لو أقر لعمرو بالدار التي هي في يد زيد لعمرو.
والثاني: أنه يغرم، وبه قال أحمد، لأنه حال بين عمرو وبين داره بإقراره الأول والحيلولة تثبت الضمان بالإتلاف ألا ترى أنه لو غصبت عبدًا، فأبق من يده ضمنه، وهذا أصح عند الأكثرين، وفي الصورة الثالثة طريقة قاطعة بأنه لا يجب الغرم مذكورة في "التهذيب" و"التتمة" موجه بأنه لم يقر بجناية في ملك الغير، بخلاف الصورتين الأوليين فإنه أقر فيهما بالغَصْبِ، فضمن لذلك وقال أبو حنيفة رحمه الله: إذا قال: غصبت هذه الدار من فلان، بل من فلان غرم للثاني، ولو قال: هذه لفلان، بل لفلان لا يغرم للثاني، فيجوز أن يعلم لذلك قوله في الكتاب:"ويغرم لعمرو" بالحاء، ويجوز أن يعلم قوله:"في أقيس القولين" -بالواو- إشارة إلى الطريقة القاطعة بنفي الغرم، واختلفوا في موضع القولين، حيث ثبتا، فقال قائلون: هما مخصوصان بما إذا انتزعها الحاكم من يد المقر، وسلمها إلى زيد، فأما إذا سلمها إلى زيد، فأما إذا سلمها إلى زيد بنفسه غرمها لعمرو، بلا خلاف.
وقال آخرون: يجريان في الحالتين (١) لأن سبب انتزاع القاضي أيضًا إقراره، ولو باع عينًا وأقبضها، واستوفى الثمن ثم قال: كنت قد بعته من فلان، أو غصبته لم يقبل قوله: على المشتري، وفي غرامته القيمة للمقر له طريقان:
أحدهما: أنه على القولين.
وأصحهما: عند صاحب "التهذيب" ورواه الماسرجس عن ابْنِ أَبِى هُرَيْرَة القطع بأنه يغرم لتفويته عليه بتصرفه، وتسليمه؛ لأنه استوفى عوضه، وللعوض مدخل في الضمان، ألا ترى أنه لو غر بحرية أمة فنكحها، وأحبلها، ثم أجهضت بجناية جانٍ يغرم المغرور الجنين لمالك الجارية، لأنه يأخذ الغرة، ولو سقط ميتًا من غير جناية لا يغرم، وينبني على هذا الخلاف، أن مدعي العين المبيعة، هل له دعوى القيمة على البائع مع بقاء العين في يد المشتري.
إن قلنا: لو أقر يغرمه القيمة، فله دعواها، وإلاَّ فلا، ولو كان في يد إنسان عين، فانتزعها منه مدعٍ بيمينه بعد نكول صاحب اليد، ثم جاء آخر يدعيها، هل له طلب القيمة من الأول.
إن قلنا: النكول، ورد اليمين، كالبينة، فلا كما لو كان الانتزاع بالبينة، وإن جعلناها كما الإقرار، ففي سماع دعوى الثاني عليه القيمة الخلاف.
(١) الأصح طردهما في الحالين قاله أصحابنا، ويجرى الخلاف سواء وإلى بين الإقرار لهما، أم فصل بفصل قصير أو طويل. ينظر الروضة ٤/ ٥١.