للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مدة الإعارة مجهولة، كما لو قال: أعرتك داري بعشرة دراهم، أو لتعيرني ثوبك شهراً.

وفيه وجه أنه عارية فاسدة نظراً إلى اللفظ، فعلى هذا تكون مضمونة عليه، وعلى الأول لا ضمان (١).

ولو بين مدة الإعارة، وذكر عوضاً معلوماً فقال: أعرتك هذه الدار شهرًا واليوم بعشرة دراهم لتعرني ثوبك شهراً من اليوم، فهي إجارة صحيحة مضمونة، أو إعارة فاسدة؟ فيه وجهان مبنيان على أن النظر إلى اللفظ، أو المعنى، ولو دَفَع دراهم إلى رجل، وقال: اجلس في هذا الحَانُوتِ، واتَّجِرْ عليه بنفسك، أو ادفع إليه بذرًا، ازرع به هذه الأرض، فهو مُعِيْرُ الحانوت، والأرض، وأما الدراهم والبذر، فتكون هبة أو قرضًا، فيه وجهان.

الثانية: لو قال لقَصَّارٍ: اغسل هذا الثوب، أو لخَيَّاط خطه مجانًا، ففعل، فلا أجرة له، ولو قال: اغسله أو خيطه، وأنا أعطيك حَقّك، أو أجرتك يستحق أجرة المْثِلِ، وهذا إجارة فاسدة، ولو اقتصر على قوله: اغسله أو خيطه، أوجه، نذكرها في "الإجارة"، فإن ذلك الموضع أحق بذكرها، وصاحب الكتاب قد أعاد المسألة هناك وذكر بعض تلك الأوجه.

واعرف في هذا المقام سببين:

أحدهما: أن قوله: أن قوله "فهو استعارة" أراد به استعاره بَدَنِهِ لذلك العمل، ولا يعد في إطلاق الأستعارة والاعارة في منافع الحُرّ كالإجارة.

والثَّانى: إن حاصل جوابه في المسألة أنه إنْ كان من يعتاد ذلك بالأجرة استحق الأجرة وإلاَّ فلا، وهذا أحد الوجود الوجوه المشار إليها لكن ظاهر المذهب غيره على ما سيأتي. إن شاء الله تعالى.

قال الغزالي: أَمَّا أَحْكَامُهَا فأَرْبَعَةٌ: (الأَوَّلُ: الضَّمَانُ)، وَالعَارِيَةُ مَضْمُونَةُ الرَّدِّ والعَيْنِ يِقَيمَتِهِا (ح) يَوْمَ التَّلَفِ، وَقِيلَ بِأَقْصَى القِيم مِنْ يَوْمِ القبْضِ إِلَى يَوْم التَلَفَ كَالغَصْب، وَمَا يَنْمحِق مِنْ أَجْزَائِهَا بالاسْتِعْمَالِ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَالمُسْتَعَيرُ مِنَ المُسْتَأجِرِ


(١) يعلم من هذا أن نفقة المستعار على المالك دون المستعير، وهو الصواب، ونقل ذلك عن الشيخ أبي علي السبخي في "شرح التلخيص" والماوردي وصاحب "البيان" والإستقصاء، ونقل الشيخ ابن الرفعة في "المطلب" عن القاضي حسين ما يخالفه، وساق لفظه إذا استعار دابة فعلى المستعير علفها وسترها بما يقيها من الحر والبرد وسقيها، وإن استعار عبداً فعليه طعامه وشرابه، وحفظه عما يوجب الحد عليه، وحثه على الصلوات، ولا يصير في حكم الإجارة بهذه المونات.
قال البكري: والظاهر أنه وجه والمذهب ما تقدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>