للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرافعي: التَّيمم قد يكون بحيث يغنى الصلاة المؤداة به عن القضاء، وقد يكون بحيث لا يغنى، والغرض الأعظم في هذا الموضع بيان ذلك، ثم اختلط به القول في الصَّلوات المشتملة على غير ذلك من وجوه الخَلَلِ ما الَّتي تقضى وما التي لا تقضى لاندراج الكُلِّ تحت ضابط واحد، قال الأصحاب الأَعْذَارُ ضربان: عام، ونادر.

فأما العام: فيسقط القضاء، لأن إيجابه مع عموم العذر يفضي إلى عموم المَشَقَّة.

وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (١)، ولهذا المعنى جعلنا الحَيْضَ مسقطاً للقضاء، وعدواً في هذا القسم صوراً.

منها: صلاة المسافر بالتيمم لعدم الماء، فلا إعادة عليه إذا وجد الماء في الوقت، ولا قضاء إذا وجده بعده "روي أَنَّ رَجُلَيْنِ خَرَجَا فِي سَفَرٍ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءُ فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طَيَّباً وَصَلَّيَا، ثُمَّ وَجَدَا المَاءَ فِي الْوَقْتِ، وَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الْوُضُوءُ وَالصَّلاةَ وَلَمْ يُعِدِ الآخَرُ، ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم-، فَذَكَرَا لَهُ ذلِكَ فَقَالَ لِلَّذِي أَعَادَ: لَكَ الأَجرُ مَرَّتَيْنِ، وَلِلَّذِي لَمْ يُعِدْ أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتكَ صَلاَتُكَ" (٢).

والمعنى فيه أن فَقدَ الماء في الأسفار عذر عام، وسنبين من بعد أن الحكم غير منوط بالسفر، بل الموضع الذي يغلب فيه فقد الماء، وإنما لا يقضي المسافر بشرط ألا يكون سفره سفر معصية، أمَّا لو كان سفر معصية وتيمم وصلَّى، ففي القضاء وجهان:

أحدهما: لا يقضي، لأنَّا إذا أوجبنا عليه التّيمم، فقد صار عزيمة في حقه بخلاف القصر، والفطر، ونحوهما، فإنها لا تجب.

وأظهرهما: أنه يجب، لأنه وإن كان واجباً فسقوط الفرض به رخصة، فلا يناط بسفر المعصية.

وحكى الحناطي مع هذا الخلاف وجهاً آخر، أنه لا يتيمم أصلاً، وهل يشترط لعدم القضاء أن يكون السَّفر طويلاً، فيه قولان:

أصحهما: لا، والقصير كالطويل في هذا الحكم.

لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} (٣) الآية، واسم السفر يقع على


(١) سورة المائدة، الآية ٦.
(٢) أخرجه أبو داود (٣٣٨) والنسائي (١/ ٢١٣) والحاكم (١/ ١٧٨ - ١٧٩) وفي أبو داود من رواية عطاء عن أبي سعيد الخدري، ومن رواية عطاء مرسلاً، وأخرجه النسائي منهما، وقال أبو داود: المحفوظ الإرسال، وقال الحاكم: رواية الاتصال صحيحة على شرط الشيخين. انظر الخلاصة (١/ ٧٠).
(٣) سورة المائدة، الآية ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>