للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القسم الأول: المطلقة للمستعير فيها أن يبني ويغرس ما لم يرجع المعير، فإذا رجع لم يكن له البناء والغراس، ولو فعل وهو عالم بالرجوع قلع مجانًا، وكلف تسوية الأرض كالغاصب، وإن كان جاهلًا، فوجهان كالوجهين فيما لو حمل السيل نواة إلى أرض، فنبتت وربما شبهها بالخلاف في تصرف الوكيل جاهلاً بالعزل وأما ما بني وغرس قبل الرجوع، فإن أمكن رفعه من غير نقصان يدخله رفع، وإلاَّ فينظر إن كان قد شرط عليه قلعه مجاناً عند رجوعه وتسوية الحفر ألزم ذلك، فإن امتنع قلعه المعير مجاناً (١)، وإن كان قد شرط القلع دون التسوية لم يجب على المستعير التسوية؛ لأن شرط القلع رضيَّ بالحفر، وإن لم يشترط القلع أصلاً، نظر إن أراد المستعير القلع مُكِنّ منه؛ لأنه ملكه فله نقله عنه، فإذا قلع فهل عليه التسوية؟ فيه وجهان.

أحدهما: لا؛ لأن الإعارة مع العلم بأن للمستعير أن يقلع رضا بما يحدث من القلع.

وأظهرهما: (٢) نعم؛ لأنه قلع باختياره، ولو امتنع منه لم يجبر عليه، ويلزمه رد الأرض إلى ما كانت عليه، وإن لم يختر المستعير القلع لم يكن للمعير قلعه مجانًا؛ لأنه بناء محترم، ولكنه يخير بين ثلاثة خصال:

إحداهما: أن يبقيه بأجرة يأخذها.

والثانية: أن يقلع ويضمن أرش النقصان وهو قدر التفاوت بين قيمته ثابتاً مقلوعًا.

الثالثة: أن يتملكه عليه بقيمته، فإن اختار القلع، وبذل أرش النقص، فله ذلك والمستعير يجبر عليه وإن إختار أحد الخصلتين الأخريين أجبر المستعير عليه أيضاً فيما رواه جماعة، منهم الإمام، وأبُو الحسن العَبَّادِي، وصاحب الكتاب.

وفي "التهذيب" أنه لا بد فيها من رضا المستعير؛ لأن إحدهما بيع، والأخرى


(١) قال في الخادم: تابع فيه الإمام وهو يوهم أنه لو شرط القلع، وأطلق أن يكون الحكم بخلافه وفيه نظر، وكلام جمهور الأصحاب يقتضي أنه لا فرق فإنهم قالوا: إن شرط قلع، وممن أطلق ذلك القاضي أبو الطيب والدارمي وابن كج في "التجريد" والمحاملي وأصحاب "الحاوي" و "المهذب" و"الشامل، و"البحر" و"البيان" و"الذخائر"، والشيخ أبو محمد في "مختصره"، والغزالي في "خلاصته" ونص عليه الشَّافعي في "الأم" و"المختصر" في الإعارة المقيدة بمدة وجرى عليه الأصحاب قاطبة. قال الشَّافعي -رضي الله - عنه: لأن المعير لم يُغرّ وإنما غرّ نفسه.
(٢) قال النووي: كذا صححه الجمهور: أنه يلزمه تسوية الحفر هنا منهم القاضي أبو الطيب في "المجرد"، وصاحب "الأنتصار" وغيرهما، وبه قطع المحاملي في "المقنع" والروياني في "الحلية" وهو الأصح. ولا يغتر بتصحيح الرافعي في "المحرر": أنه لا يلزمه، فإنه ضعيف، نبهتُ عليه في "مختصر المحرر". ينظر الروضة ٤/ ٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>