في "الوديعة"، والداعي إلى ذكرها في هذا الموضع أن أبا حنيفة يقول: غاصب الأصل وإن أثبت اليد على الولد، لكنه لم تزل يد المالك، والغصب عبارة عن إزالة يد المالك، فمنع الأصحاب اعتبار قيد الإزالة في الغَصْب، واحتجوا عليه أن المودع من وقت الجحود غاصب، وبأنه لو طولب بولد المغصوب، فامتنع كان غاصبًا، وإن لم تزل يد المالك، ولمن ينازع أن يقول: لا غصب في الصورتين، لكنه يضمن ضمان المغصوب لتقصيره في الأمانة في الجحود والامتناع، ثم تكلم فيما تثبت به اليد العادية في العقار والمنقول.
أما المنقول فالأصل فيه النقل، لكن لو ركب دابة الغير، أو جلس على فراشه، ولم ينقله فقد حكى الإمام فيه وجهين:
أحدهما: أنه لا بد من النقل، كما لا بد منه في قبض المبيع، وسائر العقود.
وأصحهما وهو المذكور في الكتاب: أنه يكون غاصبًا لحصول غاية الاستيلاء بصفة الاعتداء، ولمن نصره أن يجيب عن احتجاج الأول بأن القبض في البيع له حكمان: دخول في ضمانة، وذلك حاصل بالركوب والجلوس من غير نقل.
والثاني: تمكنه من التصرف، فالركوب إما أن يكون بإذن البائع، أو دون إذنه، فإن أذن البائع فالتمكن حاصل، وإن لم يأذن فلا يتمكن، لكن الحكم في النقل بغير إذنه مثله، فإذا لا فرق، ويشبه أن تكون المسألة مصورة فيما إذا قصد الراكب أو الجالس الاستيلاء أما إذا لم يقصده ففي "التتمة" في كونه غاصبًا وجهان.
قال: وهذا كان المالك غائبًا، أما إذا كان حاضرًا، فإن زعجه وجلس على الفراش ضمن، وهذا إن لم يزعجه، وكان بحيث يمنعه من دفعه والتصرف فيه، وقياس ما سيأتي في نظيره في العقار ألا يكون غاصبًا إلاَّ لنصفه والله اعلم.
وأما العقار فإما أن يكون مالكه فيه أو لا يكون إن كان فيه فأزعجه ظالم، ودخل الدار بأهله على هيئة من يقصد السُّكني فهو غاصب، سواء قصد الاستيلاء، أم لم يقصد، فإن وجود نفس الاستيلاء يغنى عن قصده، ولو سكن بيتاً من الدار، ومنع المالك عنه دون باقي الدار، فهو غاصب لذلك البيت دون باقى الدار، فإن أزعج المالك، لكنه لم يدخل الدار فقد أطلق هاهنا.
وفي "الوسيط" أنه لا يضمن، واعتبر دخول الدار في غصبها, لكن قدم في "البيع" أنه لا يعتبر في قبض العقار دخوله والتصرف فيه، وإنما المعتبر التمكن من التصرف بالتخلية، وتسليم المفتاح إليه، وإذا كان حصول التمكين بتمكين البائع قبضاً، وجب أن يكون حصوله بالتسليط في أخذ المفتاح بالقهر غصبًا، وإن لم يوجد الدخول،