وبه قال أَبُو حَنْيِفَة والمُزنِيُّ أن القرار على الآكل؛ لأنه المتلف، وإليه عادت منفعته، فعلى هذا إذا غرم لم يرجع على الغاصب، والغاصب إذا غرم يرجع على الآكل، وعلى الأول الحكم بالعكس، وهذا إذا قدم الطعام، ولم يذكر شيئاً.
أما إذا قدمه، وقال: هو ملكي، ففي رجوع الآكل على الغاصب القولان، ولو غرم الغاصب.
قال المُزنِيُّ: يرجع على الآكل، وغلطه الأصحاب؛ لأن في ضمن قوله:"إنه ملكى" اعتراف بأنه مظلوم بما غرم، والمظلوم لا يرجع على غير الظالم، ولو وهب المغصوب من غيره، وأتلفه، ففيه القولان، وأولى بأن يستقر الضمان على المتهب لحصول الملك له، ولو قدم الطعام المغصوب إلى عبد إنسان، فأكله، فإن جعلنا القرار على الحر إذا قدمه إليه فأكله، فهذه جناية من العبد يباع فيها، وإلاَّ فلا يباع، وإنما يطالبه الغاصب، كما لو قدم شعيرًا مغصوبًا إلى بهيمة غيره من غير إذن مالكها.
ولو غصب شاة، وأمر قَصَّابًا فذبحها جاهلا بالحال، فقرار ضمان النقصان على الغاصب، ولا يخرج على الخلاف في أكل الطعام؛ لأنه ذبح للغاصب. وهناك انتفع به لنفسه، ولو أمر الغاصب إنسانًا، فأتلف المغصوب بالقتل، والإحراق، ونحوها، ففعله جاهلًا بالغصب. فمنهم كم جعله على القولين في أكل الطعام.
والأصح: القطع بأن القرار على المتلف؛ لأنه محظور، بخلاف الآكل، ولا وقع للتغرير مع الحظر، ثم في الفصل صور:
إحداها: لو قدم الطعام المغصوب إلى مالكه، فأكله جاهلًا بالحال، فإن قلنا في التقديم إلى الأجنبي إن القرار على الغاصب لم يبرأ الغاصب هاهنا، وإن جعلنا القرار على الآكل برئ الغاصب هاهنا.
وبه قال أبو حنيفه، وربما نصر العراقيون الأول لكن قد سبق في المسألة المبنى عليها أنْ الأصح ثبوت الاستقرار على الآكل.
وحكى الإمام عن الأصحاب أنهم رأوا البراءة هاهنا أولى من الاستقرار، وهاهنا تعرف المالك في ضمن إتلافه يتضمن قطع علقة الضمان عن الغاصب.
وتابعه صاحب الكتاب على ذلك، وبنيا على هذه الأولوية تردد الشيخ أبِي مُحَمَّدٍ فيما إذا أودع، أو رهن، أو أجر المالك، وهو جاهل بالحال، فتلف المغصوب عنده؛ لأن يد المالك إذا ثبتت قطعت أثر الضمان، وظاهر المذهب أن الغاصب لا يبرأ في هذه الصور، كما أن الضمان لا يتقرر على الأجنبي، وعلى عكسه لو باع، أو أقرض، أو أعار من المالك، فتلف عنده يبرأ الغاصب، ولو دخل المالك دار الغاصب، فأكل طعامًا