للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تجرّد التيمم لشيء من العلل، والأمراض لما كان عليه إعادة، فإذا انضم إلى التيمم غسل بعض الأعضاء كان أولى، أن لا تجبل عليه الإعادة، وإن كان على محل الأعضاء ساتر، فنظر إن ألقاه على الطهارة، ففي القضاء قولان:

أحدهما: يجب لأنه عذر نادر غير دائم.

وأظهرهما: أنه لا يجب، لحديث جابر في الشّجوج، كما تقدم، ولم يأمره النّبي -صلى الله عليه وسلم- بالإعادة مع الحاجة إلى البيان؛ ولأن المسح على الخف يغني عن الإعادة مع أنه لا ضرورة إليه، فالمسح على الجَبيرَةِ أولى لمكان الضرورة، وإن إلقاه لا على غير الطهارة، فعليه النزع، إن أمكن، ولا يجوز المسح عليه كما سبق، وإن تعذر النَّزع، مسح وصلى للضرورة، وهل يعيد؟ فيه طريقان:

أظهرهما: نعم، لفوات شرط الوضع على الطَّهارة.

والثاني: طرد القولين فيه، وذكر بعضهم أنه إنْ وضع على الطَّهارة فلا يعيد في القديم قولاً واحداً، وفي الجديد: قولان: وإن لم يضع على الطهارة فيعيد في الجديد قولاً واحداً، وفي القديم: قولان، ولا فرق في جَرَيَانِ الخلاف في الإعادة بين أن نقول بوجوب التّيمم مع غسل المقدور عليه، وبين أن لا نوجب التيمم، ويجوز الاقْتِصَار على الغسل، وقد بينا الخلاف فيه في موضعه. وعن أبي حفص ابن الوكيل (١) أن الخلاف في الإعادة على قولنا: إنه لا يتيمم، أما إذا قلنا: بوجوب التيمم فلا إعادة بلا خلاف، وهذا كله فيما إذا كانت الجَبِيرَة، أو اللَّصُوقُ على غير محل التيمم، فأما إذا كان على محل التيمم وجبت الإعادة لا محالة، لنقصان البدل والمبدل جميعاً كذلك ذكره ابن الصباغ في "الشامل"، وأبو سعيد المتولي في "التتمة".

ومنها التيمم لشدة البرد، فإن اتفق ذلك في السّفر، ففي إعادة الصَّلاة المؤداة به قولان:

أحدهما: لا يجب، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن عمرو بن العاص تيمّم بسبب البرد في غزوة "ذات السَّلاَسل"، وصلى وحكى ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يأمره بالإعادة.

وأصحهما: أنها تجب؛ لأن البرد وإن لم يكن شيئاً نادراً، لكن العجز عما يسخن به الماء، وعن ثياب يدفأ بها مع ذلك نادر، وإن اتفق فإنه لا يدوم، فلا يسقط الإعادة وإن اتَّفَقَ في الحضر، فالمشهور وجوب الإعادة.


(١) عمر بن عبد الله بن موسى، أبو حفص ابن الوكيل الباب شامي، فقيه جليل الرتبة، من نظراء أبي العباس، وأصحاب الأنماطي، ومن كبار المحدثين والرواة وأعيان النقلة. انظر تهذيب الأسماء واللغات (٢/ ٢١٥) طبقات العبادي (٤٣) طبقات ابن قاضي شهبة (١/ ٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>