للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أبي الحسن بن القطّان أنه يبنى ذلك على السفر، إن قلنا: يعيد في السَّفر ففي الحضر أولى، وإن قلنا: لا يعيد، ثم ففي الحضر قولان، ونعود إلى ما يتعلق من هذه المسائل بألفاظ الكتاب، ونظمه خاصة.

اعلم أنه أهمل التقسيم الأول الذي حكيناه عن الأصحاب، حيث قالوا: "العذر ينقسم إلى عام ونادر"، ثم قالوا: النَّادر ينقسم إلى دائم، وغير دائم، واقتصر على تقسيم العذر إلى دائم إذا وقع، وإلى غير دائم، ويدخل العام، والنادر في كل واحد من هذين القسمين، إلا أن دوام الوقوع ليس بشرط في قسم العام، بل هو مسقط للقضاء دَام، أو لم يدم، أَلاَ ترى أن حاجة المسافر إلى ما عنده من الماء لِلشُّرْبِ مُسْقِطٌ للقضاء؛ لأنه يعم، ولا يظهر فيها الدوام، والاستمرار بل عدم الماء في السَّفَر ممَّا لا يدوم أيضاً غالباً، فإنه إنْ فقد الماء في مرحلة وجده في المرحلة الأخرى، وإذا كان كذلك فِلِمُضَايق أن يضايق في عدة صلاة المسافر بالتيمم على موجب التقسيم الذي ذكره من القسم الأول، وللمضايقة وجوه أخر، لا نطول بذكرها.

وأما قوله: "فان لم يكن لها بدل، وجب القضاء"، ينبغي أن يعلم بالواو والزاي، لما ذكرنا من القول الذي اختاره المزني. وقوله: "فصلى فيمن لم يجد ماء، ولا تراباً" بالحاء والواو لمذهب أبي حنيفة، والقول الموافق له كما سبق. وقوله: "والمصلوب إذا صلى بالايماء" المراد منه المربوط على الخشبة، وليعلم بالواو لما ذكرنا في شَرْحِ المَسْألَةِ. بقي أن يقال: لم عدّها من قسم ما لا بدل له؟ وهلا جعل الإيماء بدلاً عن الركوع، والسجود؟. والجواب أن المعنى بالبدل في هذا المقام الشيء المضبوط الذي يعدل إليه العاجزون كلهم، كالتَّيمم مع الوضوء، والإيماء ليس كذلك، بل يختلف بالأحوال، والأشخاص، وله درجات متفاوتة ينتقل المعذور من كل واحدة إلى ما يليها، بحسب الإمكان.

وأما قوله: "ويستثنى عنه صلاة شدة الخوف" فليس المراد الاستثناء من الصورة الأخيرة، هي ما إذا صلّى، وعلى جرحه نجاسة وجدها، بل المراد الاستثناء من أصل هذا القسم، وهو ندور العذر، وعدم البدل، وذلك في الصلاة حالة المسابقة اختلالاً ظاهراً في الأفعال، والأركان، ويحتمل أيضاً كثرة الأفعال، وتلطُّخ السلاح بالدّم، على تفصيل يأتي في موضعه، وليس لها بدل، وإنما احتمل ذلك رخصة بالنص.

قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (١)، ونازع إمام الحَرَمَيْنِ -قدس الله روحه- في كون القتال والنَّجَاسة من الأعذار النادرة، وقال: هو كثير الوقوع في حق


(١) سورة البقرة، الآية ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>