للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه وجهان:

أحدهما: نعم؛ لأن حقه المثل، وإنما أخذت القيمة للعجز عنه، وإذا حصلت القدرة عدل إليه، كما إذا غرم قيمة العبد الآبق ثم عاد.

وأظهرهما: على ما ذكر صاحب الكتاب والقاضي الروياني المنع (١)؛ لأن الأمر قد انفصل ببذل المثل، وإذا تم الحكم بالبدل، فلا عود إلى المبدل كما لو صام المعسر في الكفارة المرتبة، ثم أيسر، وهذا معنى قوله: "لتمام الحكم بالبدل الحقيقي" وأراد بتسميته حقيقيّاً أن القيمة بدل حقيقة عند إعواز المثل لا لالتحاق المثل حينئذ بالتقويم، وفي غرامة العبد الآبق ليست القيمة بدلاً حقيقية وإنما هي مأخوذة لحصول الحيلولة لكن لصاحب الوجه الأول أن يقول عندي القيمة حالة الإعواز ليس بدل حقيقة، وإنما هي مأخوذة لحصول الحيلولة بينه وبين حقه، وهو المثل، فالأجود من الفرق أن يقال: العبد عين حقه المغصوب، والمثل بدل حقه، فلا يلزم من تمكينه من الرجوع إلى عين حقه تمكين من الرجوع إلى بدل حق، والله أعلم.

قال الغزالي: وَلَوْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا فَظَفَرَ بِهِ في غَيْرِ ذَلِكَ المَكانِ لَمْ يَلْزَمْهُ إلاَّ القِيمَةُ، فَإِذَا عَادَ إلَى ذَلِكَ المَكَانِ لَزِمَهُ المِثْلُ وَأَخَذَ القِيمَةَ، وَلَوْ ظَفَرَ بِهِ في غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ جَازَ طَلَبُ المِثْلِ؛ لأَنَّ رَدَّ الزَّمَانِ غَيْرِ مُمْكِنِ فَتَعَذَّرَ المِثْلُ الحَقِيقيُّ، والمُسَلَّمُ إِلَيْهِ إِذَا انْتَقَلَ لَمْ يُطَالِبْ، وَفِي مُطَالَبَتِهِ بِالقِيمَةِ تَرَدُّدٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ اعْتِياضٌ، فَإِنْ مُنِعَ فَلَهُ الفَسْخُ، وَطَلَبُ رَأسِ المَالِ.

قال الرافعي: مقصود الفصل أن المثل هل يؤخذ مثله مع اختلاف المكان والزمان، أما المكان، فاعلم أولاً أنَّه لو غصب مثلياً، ونقله إلى بلد آخر كان للمالك أن يكلفه رده، وله أن يطالب بالقيمة في الحال للحيلولة (٢)، ثم إذا رده الغاصب رد القيمة، واسترده، ولو تلف في البلد المنقول إليه طالبه بمثله، حيث ظفر به من البلدين لتوجه الطلب عليه برد العين في الموضعين (٣)، فإن فقد المثل غرمه قيمة أكثر البلدين قيمة.


(١) قال النووي: ويجريان في أن الغاصب والمتلف هل لهما رد المثل وطلب القيمة ينظر الروضة ٤/ ١١١.
(٢) أي حال العود؛ لأنه أحال بينه وبين ملكه فأوجبنا القيمة لتسد مسد العين بقدر الإمكان، وتسمى هذه القيمة الحيلولة ويملكها الأخذ. وقال الأذرعي: وهذا قد يظهر فيما إذا لم يخف هرب الغاصب أو تواريه، وإلا فالوجه عدم الفرق بين المسافتين.
(٣) وكذا يطالبه به في أي بقعة شاء من البقاع التي وصل إليها به في طريقه بينهما. قاله السبكي ونقله عن غيره عن شريح الروياني.

<<  <  ج: ص:  >  >>