للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أتلف مثليّاً، أو غصبه، وتلف عنده في بلد، ثم ظفر المالك به في بلد آخر، هل له مطالبته بالمثل؟.

الذي ذكره الأكثرون أنه إن كان مما لا مؤنة لنقله، كالدراهم والدنانير (١)، فله المطالبة بالمثل، وإن كان لنقله مؤنة لم يكن له طلب المثل، ولا للغارم تكليفه قبول المثل لما يلزم فيه المثل لما فيه من المؤنة والضرر للمالك أن يغرمه قيمة بلد التلف، فإن تراضيا على المثل لم يكن على المثل لم يكن له تكليفه مؤنة النقل.

وعلى هذا تنزيل جوابه في الكتاب، وإن أطلقه إطلاقاً، وحكى الإمام وراءه وجهين:

أحدهما: عن شيخه أَبِى مُحَمَّدٍ: أنه يطالبه بالمثل، وإن لزمت المؤنة، وزادت القيمة، كما أتلف مثليّاً في وقت الرخص له طلب المثل في الغلاء.

والثاني: عن رواية الشيخ أَبِي عَليٍّ: أنه إن كانت قيمة ذلك البلد مثل قيمة المتلف، أو أقل طالبه بالمثل، وإلاَّ فلا (٢).

وذكر أبُو عَاصِمٍ العَبَّادِيُّ مثل هذا، وإذا حكمنا بالمنع، وأخذ القيمة، ثم اجتمعا في بلد التلف، هل للمالك رد القيمة، وطلب المثل؟ وهل لصاحبه استرداد القيمة وبذل المثل؟. فيه الوجهان فيما إذا غرم القيمة؛ لإعواز المثل، والذي أورده صاحب الكتاب منهما أن عليه المثل، وأخذ القيمة مع أنه جعل الأظهر في مسألة الإعواز المنع، وهذا لا وجه له، بل الخلاف في المسألتين واحد، باتفاق الناقلين.


(١) اليسيرة والطريق آمنة.
(٢) هذا الوجه هو المناسب للمعنى المذكور في الدراهم والدنانير، وقد نوزع الشيخان في تضعيف هذا الوجه الثالث فنقلوا عن الشيخ أبي علي السنجي أنَّه قال ما ذكره الشَّافعي والأصحاب من أن المتلف عليه إذا ظفر بمتلف المثلي في غير مكان الإتلاف يغرمه القيمة لا المثل، إنما هو إذا كانت قيمة المكان الذي ظفر صاحب الحق بالمتلف فيه أكثر من قيمة مكان الإتلاف، فلذلك قال للشافعي ما قال، فأما إذا استوت القيمة ولم يتفاوت السعران، أو كانت قيمة المثل في مكان اللقاء أقل فيلزمه المثل، والشيخان تبعاً "النهاية" في تضعيف ما قاله الشيخ أبو علي والمتأخرون كالأسنوي والأذرعي والزركشي مشوا على ما قاله الشيخ أبو علي ونقلوه عن البندنيجي والقاضي أبي الطيب والماوردي وابن الصباغ، ونقل الديبلي في أدب القضاء عن الشَّافعي نحوه. قال في "المهمات": فإنه يعني الديبلي قال: قال الشَّافعي لأنّا لو حملناه على المثل لكان في ذلك ضرر وإتلاف مال لاختلاف الأسعار، هذا لفظه. والتعليل صريح في تصوير المسألة واختصاصها بما ذكره الشيخ أبو علي، وقد تظاهرت النقول على ما قاله إلى أن قال: فتلخص أن الحكم كما قاله الشيخ أبو علي إلى آخره. وقال في الخادم: إن الذي قاله الشيخ أبو علي تقييد لإطلاق النص، ثم نقل عن العراقيين المتقدم ذكرهم وصاحب "البيان" و"الأستقصاء" و"الذخائر" موافقة أبي علي.

<<  <  ج: ص:  >  >>