والثاني: أن الجواب كذلك، إلاَّ إذا كان نقد البلد من جنسه، وكانت القيمة تزيد على الوزن، فحينئذ يقوم بغير الجنس، ويضمن به، وهذا ما اختاره العراقيون هاهنا فَارِقِيْنَ بين ما فيه صنعة، وبينه بأن الزيادة ثم تقع في مقابلة الصنعة، فلا تؤدي إلى الربا وهاهنا لا قيمة للصنعة، فيلزمه الربا، لكن لصاحب الوجه الأول أن يقول: لو كان الربا جارياً في الغرامات لاستوى المصنوع وغيره، كما لو قابل حليًّا بتبر لا يجوز للفضل.
وقوله في الكتاب: "ولو اتلف آنية".
التصوير في الآنية مفرع على جواز اتخاذها، كما بيناه. وقوله: "يلزمه المثل".
مثل وزن الآنية والحلى التبر، لا الدراهم والدنانير المضروبة.
وقوله قيل: لا نبالي به أي بتقويم الصنعة بجنس الأصل وتغريمها رد، وذلك مما يترك فيه وجه تقويم الكل بنقد البلد، إذا كان نقد البلد من جنسه.
ووجه تقويم الأصل بالمثل والصنعة بنقد البلد إذا كان من جنسه ويجوز إعلامه -بالحاء- وكذا إعلام قوله: "يلزمه المثل" لما مر من الرواية قوله: "فإنه ليس ببيع" يعني أنَّه غرامة متلف، ومحل الربا إنما هو البيوع والمعاقدات، والله اعلم بالصواب.
قال الغزالي: وَلَوْ اتَّخَذَ مِنَ الرُّطَبِ تَمْراً وَقُلْنَا: لاَ مِثْلَ للِرُّطَبِ وَللِتَّمْرِ مِثْلٌ، أَوْ مِنَ الحِنْطَةِ دَقِيْقاً، فَالأَوْلَى أَنْ يَتَخَيَّرَ المَالِكُ بَيْنَ المُطَالَبَةِ بِقِيمَةِ الرُّطَبِ وَالدَّقِيقِ أَوْ مِثْلِ التَّمرِ وَالحِنْطَةِ، كَمَا لَوِ اتَّخَذَ مُنَ السِّمْسِمِ الشَّيْرَجَ فَيُطَالِبُ إنْ شَاءَ بِالسِّمْسِمِ أَوْ بالشَّيْرَجِ، وَلَوْ عَدِمَ المِثْل إلاَّ بالأكْثَرِ من ثَمَنِ المِثْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ الشِّراءُ عَلَى الأَظْهَرِ.
قال الرافعي: في الفصل مسألتان:
الأولى: إذا تغير المغصوب في يد الغاصب من حال إلى حال، ثم تلف عنده، فأما أن يكون متقوماً في الحالة الأولى مثلياً في الثانية، أو بالعكس أو مثلياً فيهما، أو متقوماً فيهما.
أما القسم الأول: فكما إذا غصب رطباً، وقلنا إنه متقوم، فصار تمراً، ثم تلف عنده، ففيه وجهان:
أحدهما: وبه أجاب العراقيون: أنَّه يضمن مثل التمر؛ لأنه لا يمكن الجمع بين المثل والقيمة، ولا بد من إيجاب أحدهما، والمثل أقرب إلى التالف، فيكون إيجابه أولى. وأشبههما: وهو المذكور في "التهذيب": أنه إن كان الرطب أكثر قيمة، أو فعلية قيمته كيلا تضيع الزيادة عليه، وإن كان التمر أكثر قيمة، أو استويا فعلية المثل.
واختار صاحب الكتاب أنه يتخير أن يأخذ مثل التمر، أو قيمة الرطب؛ لإنه أتلف