أيضاً، كما سيأتى ولم يوجه العراقيون تضمينه بذلك، وإنما وجهوه بأن جناية العبد لنقص دخله، كسائر وجوه النقصان، وسواء جرى الوجهان، كما ذكره الإمام أولاً، فالظاهر أنه لا يجب على الغاصب تحصيله إلاَّ بأقل الأمرين، وهو المذكور في "التتمة"، فإذا ثبت أن الجانى والجناية مضمونان على الغاصب، فلا يخلو إما أن يتلف العبد في يد الغاصب، أو يرده إن تلف في يده، فللمالك تغريمه أقصى القيم، فإذا أخذها، فللمجنى عليه إن لم يغرم الغاصب له بعد أن يغرم الغاصب، وله أن يتعلق بالقيمة التي أخذها المالك؛ لأن حقه كان متعلقاً بالرقبة، فيتعلق ببدلها، كما أن العَيْن المرهونة إذا أتلفها متلف يتوثق المرتهن ببدلها.
وحكى الشيخ أَبُو عَلِيٍّ وَجْهاً أن القيمة المأخوذة تسلم للمالك، ولا يطالبه المجني عليه بها، وإنما يطالب الغاصب، كما أن المجني عليه لو أخذ الأرش لم يكن للمالك التعلق به، فهما كرجلين لكل واحد منهما دين على ثالث، والصحيح الأول، وإذا أخذ المجني عليه حقه من تلك القيمة، يرجع المالك بما أخذه على الغاصب؛ لأنه لم يسلم له، بل أخذ منه بجناية مضمونة على الغاصب، ثم الذي يأخذه المجني عليه قد يكون كل القيمة بأن كان الأرش مثل القيمة، وقد يكون بعضها بأن كانت القيمة ألفاً، والأرش خمسمائة، فلا يأخذ إلاَّ خمسمائة، ولا يرجع المالك إلاَّ بخمسمائة؛ لأن الباقي قد سلم له، وكذا لو كان العبد يساوى ألفاً، فرجع بانخفاض السوق إلى خمسمائة، ثم جنى، ومات عند الغاصب، فغرمه المالك الألف لم يكن للمجنى عليه إلاَّ خمسمائة وإن كان أرش الجناية ألفاً؛ لأنه ليس له عليه إلاَّ قدر قيمة الجناية، وإن رد العبد إلى المالك، نظر إن رده بعد ما غرم المجني عليه، فذاك، وإن رد قبله، فبيع في الجناية رجع المالك على الغاصب بما أخذه منه؛ لأن الجناية حصلت حين كان العبد مضموناً عليه، ويخالف ما إذا جنى في يد المالك، ثم غصبه غاصب، فرده، ثم بيع في تلك الجناية، حيث لا يرجع المالك بشيء؛ لأن الجناية حصلت، وهو غير مضمون عليه.
وفرع ابْنُ الحَدَّادِ على ذلك، فقال: إذا جنى في يد المالك جناية تستغرق قيمته، ثم غصب وجنى في يد الغاصب جناية أخرى مستغرقة، ثم رده إلى المالك، ثم بيع في الجنايتين وقسم الثمن بينهما نصفين، يرجع المالك على الغاضب بنصف قيمة العبد؛ لأن إحدى الجنايتين وجدت، والعبد في ضمانه، فإذا أخذه كان للمجني عليه الأول التعلق به، ولا حق للمجنى عليه الثاني.
ووجه الشيخان أبُو عَلِي وأَبُو مُحَمَّدٍ بأن سبب وجوب هذا النصف إنما هو الغصب، فإنه بالغصب ضمن ما يجنى المغصوب، والغصب مقدم على الجناية الثانية،