للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِلكْهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ مَنَعَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ إِذا تَضَرَّرَ الغَاصِبُ بِهِ لِتَضْيِيقِهِ مِلْكَهُ أَوْ لِوقُوُعِهِ في شَارعِ يَحْذَرُ مِنَ التَّعَثُّرِ بِهِ ضَمَاناً، وَلَو حَفَرَ بِئْراً في دَارِهِ فَلَهُ طَمُّهَا وَإنْ أَبَاهُ المَالِكُ لِيَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ ضَمَانِ التَّرَدَيِّ، فَإِنْ أَبْرَأَهُ المَالِكُ فَالأَظْهَرُ أَنَّ رِضَاهُ الطَّارِئَ كَالرِّضَا المَقْرُونِ بِالحَفْرِ حَتَّى يَسْقُطَ الضَّمَانُ بِهِ فَلاَ يَجُوزَ لَهُ الطَّمُّ بَعْدَ رِضَاهُ.

قال الرافعي: نقل التراب من الأرض المغصوبة تارة يكون من غير إحداث حفر فيها، كما إذا كشط عن وجهها، وتارة يكون بإحداث حفرة فيها، كما إذا حفر بئراً، أو شق نهراً.

الحالة الأولى: إذا كشط وجه الأرض، ونقل التراب، فللمالك إجباره على رده إن كان باقياً، وإن تلف، وانمحق بهبوب الرياح والسيول الجارية رد مثله إليه، وعليه إعادة وضعه وهيئته، كما كانت من انبساط، أو ارتفاع، وإن لم يطالبه المالك بالرد، نظر إن كان له فيه عرض بأن دخل الأرض نقص، وكان ذلك النقص يرتفع بالرد ويتوقع منه (١) الأرش أو كان نقل التراب إلى ملكه، وأراد تفريغه إلى ملك غيره أو شارع يحدث من التعثر به الضمان، فله الاستقلال بالرد، وإن لم يكن شيء من ذلك، بل نقله إلى موات، أو من أحد طرفي الأرض المغصوبة إلى الآخر، فإن منعه المالك من الرد لم يرده، وإن لم يمنعه، فهل يفتقر الرد إلى إذن المالك؟ حكى في "التتمة" فيه وجهين، بناء على الوجهين في أنه إذا منعه، فخالف فرد، فهل للمالك مطالبته بالنقل ثانياً إلى الأرض؟ إن قلنا: لا: رد من غير إذن المالك.

وإن قلنا: نعم افتقر إلى إذنه، وهو المذكور في الكتاب، وهو الأظهر، وإذا كان له غرض في الرد، فرده إلى الأرض، فمنعه المالك من بسطه لم يبسطه، وإن كان في الأصل مبسوطاً والله أعلم.

الحالة الثانية: إذا حفر في الأرض المغصوبة بِئْراً، فأمره المالك بطَمِّهَا لزمه الطَّمُّ وإن لم يأمره المالك كان له أن يستقل بالطَّمِّ ليدفع عن نفسه خَطَر الضمان لو تردَّى فيها مترد، وأيضاً قد يكون في الطَّمِّ بعض الأغراض المذكورة في الحالة الأولى.

وقال المُزَنِيُّ: لا يعلم إلاَّ بإذن المالك، فإن منعه المالك، وقال: رضيت باستدامة البئر، فإن للغاصب غرض في الطَّمِّ سوى دفع ضمان التردي، فله، الطم، وإن لم يكن له غرض سواه، فوجهان:

أحدهما: له الطم أيضاً؛ لأن الإذن الطارئ لا يرفع حكم الحفر المتقدم.


(١) في أ: ويندفع عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>