وإذا نظرت في لفظ الكتاب أفهمك ظاهره انصراف الطريقين إلى شئ آخر، وهو أن الواجب مجرد التسوية أم يجب مع التسوية أرش النقص الباقي؛ لأنه قال:"فعليه رد التراب"، والأرش، وأيضاً قال: يكفيه تسوية الحفر، ولا يلزمه الأرض، وأيضاً قال: والأكتفاء بالتسوية في الموضعين أولى، لكن الأعتماد على ما نقلناه، وإن كان المراد ما أشعر به ظاهره، كما انتظم الوجه بقوله، فإنه لا يتفاوت بخلاف بناء الجدار بعد هدمه؛ لأن هذا المعنى لا يقتضي القناعة بالتسوية، والإضراب عن أرش النقصان الباقي بعدها، وإنما هو توجيه القول الصائر إلى وجوب التسوية.
والفرق بين إعادة الجدار بعد هدمة، وبين التسوية على ما مَرَّ، فإذاً يجب تأويل ظاهر الكتاب، بأن يحمل قوله:"فعليه رد التراب على رده وتسليمه إلى المغصوب منه، لا إلى الأرض، ويكون معنى قوله: والأرش لتسوية الحفر.
وقوله: "يكفيه تسوية الحفر، ولا يلزمه الأرش" يؤمر بالتسوية، ولا يكلف الأرض، أو ما أشبه ذلك، ويجوز أن يعلم -بالواو-.
وقوله في الكتاب: "وتسوية الحفر" في مسألة بيع الأرض التي فيها حجارة مدفونه من كتاب "البيع" كما عرفته هاهنا وكنا قد أحلنا شيئاً من الكلام فيه إلى هذا الموضع.
واعلم أن توجيه هذا الخلاف الذي شرحناه يقتضى طرده في طَمِّ البئر، لكنهم سكتوا عنه.
وقوله: "وليس للغاصب أن ينقل التراب إلى ملكه" يجوز إعلامه -بالواو- ولما سبق. وقوله: "فله طمها وإن أباه المالك" أي: لم يرده، ولم يأذن فيه.
أما إذا صرح بالمنع مع الرضا باستدامة البئر، فهو على الوجهين الدين ذكرهما عقبه.
وليعلم قوله: "وإن أباه" بالزاي.
وقوله: "فإن أبرأه المالك" أي: عن ضمان التردي، وهذا اللفظ قد استعمله كثير من الأصحاب.
قال الإمام: وليس المراد منه حقيقة الإبراء فإن الضمان حق عساه يثبت للمتردي، فكيف يبرئ عن حق الغير قبل ثبوته، وإنما المراد الرضا بابقاء البئر، كما قدمناه.