تفسير آخر، وربما انساق هذا الإشكال إلى ما حكى عن صاحب "التقريب" أنه يرجع من المغروم بما زاد على قَدْرِ الثمن، سواء اشتراه رخيصاً في الابتداء، أو زادت القيمة بعد الشراء، وأنه إذا رجع بما زاد على الثمن لم يلحقه ضرر.
الثانية: تعيّب المغصوب عند المشتري بِعَمىً أو شلَلٍ، أو نحوها، ينظر إن كان بفعل المشتري، فيستقر ضمانه عليه، وكذا لو أتلف الكل، وإن كان بآفة سماوية فقولان:
أحدهما: عن تخريج المُزَنِيِّ وغيره: أنه لا يرجع على الغاصب بضمانه، كما لا يرجع بالقيمة عند هلاك الكل تسوية بين الجملة والأجزاء، وبهذا أجاب العراقيون، بل أكثر الأصحاب.
والثاني: وينسب إلى نَصِّ الشَّافعي -رضي الله عنه- أنه يرجع، وقرره ابْنُ سُرَيجٍ بأن العقد يوجب ضمان الجملة، ولا يوجب ضمان الأجزاء على الانفراد، واحتج عليه بصورتين: إحداهما: أنه لو تعيب المبيع قبل القبض لم يكن للمشتري أن يجيز العقد، ويطالبه بجزء من الثمن، بل إما أن يفسخ أو يُجيز بكل الثمن ولو تلف يستقر كل الثمن.
والثانية: لو اشترى عبداً بجارية، وتقابضا، ثم وجد بائع العبد بالجارية عيباً قديماً، فردها، وقد تلف العبد فإنه يأخذ قيمته، ولو لم يتلف، وتعيّب بعيب حادث لم يكن له طلب الأرش مع العبد، بل يقنع به، أو يأخذ القيمة.
واعلم أن في الصورة الثانية وجهين ذكرناهما في فصل "الرد بالعيب" فلناصر القول الأول أن يمنع ويقول له باسترداد العبد، وطلب أرْش النقصان وإليه ميل الإمام.
وأما الصورة الأولى، فإن المبيع في يد البائع غير مضمون بالقيمة، بل بالثمن، فإذا تلف سقط الثمن، وإذا تعيَّب أمكن رده، جملة الثمن، فلا يمكن من طلب الأرش الذي هو تغيير العقد، وحَطّ من الثمن، وإنما يصار إليه عند الضرورة، فلهذا المعنى لم يثبت الأرش.
الثالثة: منافع المغصوب يضمنها المشتري للمالك بأجرة مثلها، وهل يرجع على الغاصب؟ أما ما استوفاه بالسكون والرُّكوب واللُّبس، ففيه قولان، وكذا بالرجوع بالمهر إذا غرمه بالوطء:
أحدهما: يرجع؛ لأن الغاصب قد غَرَّهُ ولم يشرع على أن يضمن المهر والأجرة.
وأصحهما وهو قوله الجديد، وبه قال أبو حنيفة: أنه لا يرجع؛ لأن نفعه عاد إليه، ولأنه أتلف المنفعة، وحوالة الضمان على مباشر الإتلاف أولى، وأجرى الخلاف