وقوله في الكتاب:"كل عقار" غير مجري على ظاهره؛ لأنه يقتضي اشتراط كون المأخوذ عقاراً، وقد عرفت أن الأبنية والأشجار، بل الثمار أيضاً مأخوذة، ومعلوم أن اسم العقار لا يقع عليها في المتعارف، ولا يمكن أن يقال: أراد بالعَقَارِ غير المنقول؛ لأن قضيته حينئذ إثبات الشفعة في الأبنية والأشجار وحدها؛ لأنه كما لا يقع عليها اسم العَقَار لا يقع عليها اسم المنقول، وهي ثابتة في الأرض، فيصدق عليها أنها غير المنقول. وقوله:"فلا شفعة فيه" معلّم بالميم. وقوله:"لحقه الضرر فيه" معناه: أن المنقول لايبقى دائما، والعقار يتأبد فيتأبد سوء ضرر المشاركة فيه، والشفعة تملك قهري، فلا يحكم بثبوته إلاَّ عند شدة الضرورة.
قال الرافعي: الشرط الثاني كونه ثابتاً، وقصد به الاحتراز عما إذا كان بين اثنين حجرة، أو غرفة عالية مبنية على سَقْفٍ لأحدهما، أو لغيرهما، فإذا باع أحدهما نصيبه، فلا شفعة لشريكه؛ لأنه لا أرض لها, ولا ثبات، فهو كالمنقولات، ولو كان السقف المبني عليه مشتركاً بينهما، فعلى وجهين، نقلهما هاهنا وفي "الوسيط":
أحدهما: أن الشفعة تثبت للاشتراك فيها أرضاً وجداراً.
وأظهرهما: المنع؛ لأن السقف الذي هو أرضه لا ثَبَاتَ له أيضاً، وما لا ثبات له في نفسه لا يفيد ثباتاً لما هو عليه، ولو كان السقف مشتركاً بين اثنين، العلو لأحدهما، فباع صاحب العلو، ونصيبه من السفل، ففيه للقَفَّالِ جَوابان:
أحدهما: أن الشريك يأخذ السفل، ونصف العلو بالشفعة؛ لأن الأرض مشتركة بينهما، وما فيها تابع لها، ألا تَرَى أنه يتبعها في بيع الأرض عند الإطلاق؟ فكذلك في الشفعة.
وأصحهما: وهو الذي ارتضاه الشيخ أبُو عَلِيٍّ أنه لا يرضى أن يأخذ إلاَّ السفل؛ لأن الشفعة لا تثبت في الأرض إلاَّ إذا كانت مشتركة، فكذلك فيما فيها من الأبنية، ولا شركة بينهما في العلو.
ولو كانت بينهما أرض مشتركة، وفيها أشجار لأحدهما، فباع صاحب الأشجار الأشجار، ونصيبه من الأرض، ففيه هذا الخلاف هذا فقه الفصل.
ولك أن تقول: اسم العقار إما يقع على الأبنية بقطع النظر عن الأرض، أو لا يقع، إن كان وقع الضابط المذكور متناً، ولا للأبنية وحدها، فلتكن مأخوذة بالشفعة