أحدهما: لا يجوز أيضاً، كما لو لف قطعة أدم على القدم وشَدَّها، لا يجوز المسح عليها.
وأظهرهما: ونقله الشيخ أبو محمد عن نصّه، أنه يجوز لحصول الستر به، وارتفاق المشي فيه، فلو فتح الشرج بطل المسح، وإن لم يظهر شيء؛ لأنه إذا مشى فيه ظهر. وليكن قوله في الكتاب:"فلو تخرّق" معلماً بالواو والميم، لما ذكرنا، وبالحاء أيضاً؛ لأن عند أبي حنيفة إن كان الخرق بحيث يبين منه قدر ثلاث أصابع من أصابع الرجل، لم يَجُزِ المسح عليه، وإن كان أقل جاز.
الثاني: أن يكون قوياً، والمراد منه كونه بحيث يمكن متابعة المشي عليه، لا فرسخاً ولا مرحلة؛ بل قدر ما يحتاج المسافر إليه من التردّد في حَوَائِجِهِ، عند الحطّ والتّرحال، فلا يجوز المسح على اللَّفائف، والجَوَارب المُتَّخذة من الصُّوف، واللّبد (١)؛ لأنه لا يمكن المشي عليها، ويسهل نزعها، ولبسها بلا حاجة إلى إدامتها في الرّجل؛ ولأنها لا تمنع نفوذ الماء إلى الرجل، ولا بُدَّ من شيء مانع على الأصح، كما سيأتي، وكذلك الجوارب المُتَّخذة من الجلد التي تلبس مع الكعب، وهي جورب الصُّوفية، لا يجوز المسح عليها، حتى تكون بحيث يمكن متابعة المشي عليها، وتمنع نفوذ الماء، إن اعتبرنا ذلك، إما لصفاقتها، أو لتجليد القدمين، والنعل على الأسفل أو الإلصاق بالكعب، وحكى بعضهم أنها وإن كانت صفيقة ففي اشتراط تجليد القدمين قولان:
وعند أبي حنيفة لا يجوز المسح على الجوربين، وإن كانا صفيقين حتى يكونا مجلدين أو منعلين وخالفه صاحباه فهذا إذا تَعَذَّر المَشْيُ فيه لضعف الملبوس في نفسه.
ولو تعذر المشي فيه لِسِعَتِهِ المُفرطة أو لثقله أو لِضِيْقِه ففي جواز المسح عليه وجهان:
أحدهما: يجوز لأنه في نفسه صالح للمشي عليه ألا ترى أنه لو لبسه غيره لارتفق به.
وأصحهما: لا يجوز، لأنه لا حاجة له في إِدَامَةِ مثل هذا الخف في الرِّجل ولا فائدة له فيه، ولو تعذَّر المشي فيه لثقله أو غلظه كما إذا اتخذ خفاً من خَشَبٍ أو حديد وهو بحيث لا يمكن المشي عليه، فلا يجوز المسح عليه، كما لو تعذَّر المشي فيه لضعفه وكذلك لو كان المتخذ من الخشب محدد الرأس لا يثبت مستقراً على الأرض ولو كان المتخذ من الخشب والحديد لطيفاً يتأتى المشي فيه جاز المسح عليه.
(١) اللبد هو ما يتلبد من شعر أو صوف، انظر المصباح المنير (٢/ ٧٥١).