للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن شَرَطَا الأول، فربما كان قيمة الثوب في الحال درهمًا، ويبيعه، ويتصرف فيه حتى يبلغ المال عشرة، ثم ترفع قيمة الثياب، فلا يوجد مثل ذلك الثوب إلاَّ بعشرة فيحتاج العامل إلى صرف جميع ما معه إلى تحصيل رأس المال، فيذهب الربح في رأس المال، وربما كانت قيمته عشرة فباعه ولم يربح شيئًا ثم صار يؤخذ مثله بشيء يسير فيشتريه، ويطلب قسيمة الباقي، فحينئذ يفوز العامل ببعض رأس المال. وإن شَرَطَا ردّ القيمة، فإما أن يشترطا قيمة حال المفاصلة، أو قيمة حال الدفع. والأول غير جائز؛ لأنها مجهولة، وقد تكون قيمته في الحال درهمًا، وعند المفاصلة (١) عشرة، فيلزم المحذور الأول.

والثاني: غير جائز؛ لأنه قد تكون قيمته في الحال عشرة، وتعود عند المفاصلة إلى درهم، فيلزم المحذور الثاني، وفي النفس حسيكة من هذا الكلام؛ لأنّ لزوم أحد الأمرين مبني على أنَّ رأس المال قيمة يوم العقد، أو يوم المفاصلة، وبتقدير جواز القراض على العرض يجوز أن يكون رأس المال ذلك العرض بصفاته من غير نظر إلى القيمة، كما أنه المستحق في السَّلَم، وحينئذ إن ارتفعت القيمة، فهو كخسران حصل في أموال القراض، وإن انخفضت فهو كزيادة قيمة فيها. وعن الشيخ أَبِي مُحَمَّدٍ أنه كان يعوّل في اختصاص القِرَاض بالنقدين على الإجماع، ولا يبعد أن يكون العدول إليه لهذا الإشكال، ويترتب على اعتبار النقدية امتناع القراض على الحُلِيِّ والتّبْر، وكل ما ليس بمضروب؛ لأنها مختلفة القيمة كالعروض، وكذلك لا يجوز القِرَاضُ على الفلوس (٢)، ولا الدراهم والدنانير المغشوشة (٣)؛ لأنها نقد وعرض. وحكى الإمام وجهًا أنه يجوز القراض على المغشوش اعتبارًا برواجه وادعاء الوفاق على امتناع القِرَاض في الفلوس، لكن صاحب "التتمة" ذكر فيها أيضًا الخلاف. وعن أَبي حَنِيْفَةَ يجوز القراض في المغشوش إذا لم يكن الغش أكثر.

قال الغزالي: وَاحْتَرَزنَا بالمَعْلُومَ عَنِ القِرَاضِ عَلَى صُرَّةِ دَرَاهِمَ، فَإِنَّ جَهْلَ رَأْسِ المَالِ يُؤَدِّي إِلَى جَهْلِ الرَّبْحِ، وَاحْتَرَزْنَا بالمُعَيَّنِ عَنِ القِراضِ عَلَى دَيْنِ في الذِّمَّةِ، وَلَوْ عَيَّنَ وَأَبْهَمَ فَقَالَ: قَارَضْتُكَ عَلَى أَحَدَ هَذَيْنِ الألْفَيْنِ والآخَرُ عِنْدَكَ وَدِيعَةً وَهُمَا في كِيسَيْنِ


(١) سقط في ب.
(٢) قال النووي: ذكر الفوراني في جواز القراض على ذوات المِثْل وجهين، وهذا شاذ منكر، والصواب المقطوع به: المنع.
ينظر الروضة ٤/ ١٩٨.
(٣) وإن راجت وعلم قدر غشها وجوزنا التعامل بها لأن الغش الذي فيها عرض وخالف في ذلك السبكي فقال: يقوى عندي أن أفتي بالجواز وأن أحكم بها إن شاء الله تعالى. ٤/ ١٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>