للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُتَمَيِّزَين فَفِيهِ وَجْهَانِ، وَلَوْ كَانَ النَّقْدُ وَدَيعَةً أَوْ رَهْنًا فِي يَدِهِ أَو غَصْبًا وَقَارَضَهُ عَلَيْهِ صَحَّ، وَفِي انْقِطَاعِ ضَمَانِ الغَصْبِ خِلاَفٌ.

قال الرافعي: الشَّرط الثاني: أن يكون معلومًا (١)، فلو قارض على كفين من الدراهم، أو صُرَّة مجهولة القدر لم يجز؛ لأنه إذا كان رأس المال مجهولًا، كان الربح مجهولًا، ويخالف رأس مال السَّلم، حيث يجوز أن يكون مجهول القدر على أحد القولين؛ لأن السلم لا يعقد ليفسخ، والقراض يعقد ليفسخ، ويميز بين رأس المال والربح. وفي "الشامل" وغيره أن عند أَبِي حَنِيْفَةَ يجوز أن يكون رأس المال مجهول القدر، وإذا تنازعنا فيه عند المفاصلة، فالمصدق العامل، وعلى هذا فليكن قوله: "معلوما" في الفصل السابق معلّما بالحاء. ولو دفع إليه ثوبًا، وقال: بعه، وإذا قبضت ثمنه، فقد قارضتك عليه لم يجز؛ لأنه مجهول، ولما فيه من تعليق القرض.

قال أبو حنيفة: يصح.

الشرط الثالث: أن يكون معينًا فلو قارض على دراهم غير معينة، ثم أحضرها في المجلس وعينها، حكى الإمام عن القَاضِي، وقطع به أنه يجوز، كما في الصرف ورأس مال السَّلم. والذي أورده صاحب "التهذيب" المنع (٢).

ولو كان له دَيْن في ذمة إنسان فقال لغيره: قارضتك على دَيْني على فلان، فأقبضه، واتجر فيه لم يجر؛ لأنا لم نجوز القِرَاض على العرض لعسر التجارة والتصرف فيها، ومعلوم أن التصرف في الدَّين أكثر عسرًا فكان بالمنع الأولى.

ووجهه الإمام بأن ما في الذِّمة لا بد من تحصيله أوّلًا، وسنذكر أنه لا يجوز في القراض ضم عمل إلى التجارة، ولكن مثل هذا العمل يجوز أن يُعَدَّ من توابع التجارة، فلا يمتنع ضمه إلى عمل القراض، يؤيده قولهم: إنه لو كان له عند زيد دراهم وديعة، فقال لعمرو: قارضتك عليها، فخذها وتصرف فيها يجوز، ولو أن صاحب الدَّين قال: قارضتك عليه لتقبض، وتتصرف، أو اقبضه فإذا قبضته فقد قارضتك عليه لم يصح أيضًا، وإذا قبض العامل، وتصرّف فيه لم يستحق الربح المشروط، بل الجميع للمالك، وللعامل أجره مثل التصرف، إن كان قد قال: إذا قبضت فقد قارضتك، وإن قال:


(١) فلا يجوز على مجهول القدر دفعًا لجهالة الربح ولا على مجهول الصفة كما قاله ابن يونس ومثلها الجنس. قال السبكي: ويصح القراض على غير المرئي لأنه توكيل.
(٢) لم يصرح الشيخ بترجيح وصحح في الشرح الصغير مقاله القاضي وهو المذكور في الشامل والبحر ونقل عن أبي الفرج الزاز قال في الخادم والأفقه ما قاله البغوي وتابعة صاحب الحاوي من إبطال القراض إلى آخر ما ذكره.

<<  <  ج: ص:  >  >>