والثاني: أنه قراض صحيح رعاية للمعنى، ويروى هذا عن أبي حَنيْفَةَ، ولا يجيء الوجه الثاني في مثله من المُسَاقَاةِ لتعذُّر القراض.
ولو قال: قارضتك على أن الربح كله لي، فهو قراض فاسد، أو إِيضاع (١)؟ فيه وجهان. وعن مالك -رضي الله عنه- أنه يصح القِرَاض في الصورتين، ويجعل كأن الآخر وهب نصيبه من المشروط له.
ولو قال: أبضعتك على أن نصف الربح لك، فهو إبضاع، أو قراض؟ فيه الوجهان. ولو قال: خذ هذه الدراهم، فتصرف فيها، والربح كله لك، فهو قرض صحيح عند ابْنِ سُرَيْجٍ والأكثرين، بخلاف ما لو قال: قارضتك على أن الربح كله لك؛ لأن اللفظ يصرح بعقد آخر. وقال الشيخ أَبُو مُحَمَّدٍ: لا فرق بين الصورتين.
وعن القاضي الحُسَيْنِ أن الربح والخسران للمالك، وللعامل أجرة المثل، ولا يكون قرضًا؛ لأنه لم يملكه ولو قال: تصرف فيها والربح كله لي، فهو إبضاع.
الثالث: أن يكون معلومًا، فلو قال: قارضتك على أن لك في الربح شركة أو شِرْكًا أو نصيبًا فسد. ولو قال: لك مثل ما شرطه فلان لفلان، فإن كانا عالمين بالمشروط لفلان صح، وإن جهلاه أو أحدهما فسد.
ولو قال: على أن الربح بيننا، ولم يقل: نصفين فوجهان:
أحدهما: الفساد؛ لأنه لم يبين ما لكل واحد منهما فأشبه ما إذا اشترط أن يكون الربح بينهما أثلاثًا، ولم يبين من له الثلثان، ومن له الثلث.
وأظهرهما: على ما ذكره في الكتاب، وبه أجاب الشيخ أبُو حَامِدٍ، وحكاه عن ابْنِ سُرَيْجٍ أنه يصح، وينزل على النصف، كما لو قال: هذه الدراهم بيني وبين فلان يكون إقرارًا بالنصف.
ولو قال: على أن ثلث الربح لك، وما بقي فثلثه لي، وثلثاه لك صح، وحاصله اشتراط سبعة أتساع الربح للعامل والحساب من عدد لثلثه ثلث وأقله تسعة، وهذا إذا علما عند العقد أن المشروط للعامل بهذه اللفظة كم هو؟ فإن جهلاه أو أحدهما فوجهان: أحدهما: عن صاحب "التقريب" والذي أورده صاحب "الشامل" منهما الصِّحة لسهولة معرفة ما تضمنه اللفظ.
ويجري الخلاف فيما إذا قال: على أن لك من الربح سدس ربع العشر، وهما لا يعرفان قدره عند العقد، أو أحدهما.
(١) الإيضاع بعث المال مع من يتجر فيه متبرعًا والبضاعة المال المبعوث.