المال عروضاً، فينبني على خلاف سيأتي في أن العامل، هل يجبر على البيع والتنضيض؟ إن قلنا: نعم، فظاهر المذهب أنه لا استقرار؛ لأن العمل لم يتم.
وإن قلنا: لا فوجهان كما لو كان المال ناضّاً، ولو اقتسما الربح بالتراضي قبل فسخ العقد لم يحصل الإستقرار، بل لو حصل خُسْران بعده كان على العامل جَبْره بما أخذ، وبهذا يتبين أن قوله في الكتاب:"ولا يستقر إلاَّ بالقسمة" غير معمول بظاهره فيما يرجع الاكتفاء بالقسمة. وإن قلنا: إنه لا يملك إلاَّ بالقسمة، فله فيه حق مؤكد حتى يورث عنه إذا مات، لأنه كان لم يثبت الملك له، فقد ثبت له حق التملك، ويقدم على الغرماء لتعلق حقه بالعين، وله أن يمتنع عن العمل بعد ظهور الريح، ويسعى في التنضيض ليأخذ منه حقه، ولو أتلف المالك المال غرم حصّة العامل، وإن كان الإتلاف بمثابة الاسترداد ولو استرد الكل غرم حصة العامل، فكذلك إذا أتلف.
وأما قوله:"وكذا الأجنبي فإن الاتلاف كالقسمة".
وأعلم أن الأجنبي إذا أتلف مال القراض ضمن بدله، وبقي القراض في بدله، كما كان، هذا ما ذكره الأصحاب في حكم المسألة، وفي نظم الكتاب خلافان.
أحدهما: أن الغرض في هذا المقام التفريع على أن العامل إنما يملك حصّته بالقسمة، وعلى هذا القول يكون كل الربح قبل القِسْمة للمالك، وحينئذ يستحسن الكلام في أنه لو أتلف المالك المال غرم حصّة العامل لتعرف تأكيد حقه، وإن لم يكن مالكاً لكن لا يستحسن ذكر إتلاف الأجنبي؛ لأنه لا يمكن أن يقال أنه يغرم حصة العامل، إذْ لا امتياز لها لبقاء القراض بحاله ولا اختصاص الغرم بها، بل يغرم كل المال، وأصل الغرم لا دلالة له على حق العامل.
والثاني: أن قوله: "فإن الإتلاف كالقسمة" لا ينصرف إلى مسألة الأجنبي؛ لأن القراض إذا بقي في البدل لم يكن الإتلاف مفيداً للقسمة، بل هو مصروف إلى ما قبلها، وهو إتلاف المالك، وأنما كان كالقسمة؛ لأنه أتلف ملكه وملك غيره أو حق غيره، ولا يمكن تغريمه ملك نفسه، ولا تعطيل حق الغير، فيغرم حق الغير، وذلك يتضمن مقصود القسمة، وهو التمييز. ولو كان في المال جارية لم يجز للمالك وطؤها إن كان في المال ربح لملك العامل، أو حقه، كان لم يكن ربح فكذلك الجواب، ووجهوه بأن انتفاء الربح في المتقومات غَيْرُ معلوم، وإنما يستقر الحال بالتَّنْضيض، واستبعد الأمام التحريم إذا تيقَّن عدم الربح.
قال: ويمكن تخريجه على أن العامل لو طلب بيعها، وأباه المالك هل له ذلك؟
فيه خلاف سيأتي، فإن اسغناه فقد أثبتنا له علقة فيها، فيحرم الوطء بها.