والثالث: إجراء القولين في جميع الأحوال، وهذه قضية إطلاق المصنف، فأما إذا كان بين النخيل بياض، تجوز المزارعة عليه تبعاً، فلو كان فيه زرع موجود، ففي جواز المزارعة وجهان، بناء على هذين القولين، [ويجوز إعلام قوله في الكتاب:"فسد" -بالميم والألف- لما ذكرناه من مذهبهما، وتعبيره عن القولين بالقديم] والجديد شيء أَتبع فيه الإمام، ولم يتعرض [الجمهور لذلك، ولا يمكن تنزيل القديم على رواية البُوَيْطىِّ، فإن كتابه معدود] من الجديد. وقوله:"إذ العوض موثوق به" أي عوض العمل وهو الثمار.
قال الرافعي: هل يشترط في المساقاة رؤية الحديقة والأشجار؟ فيه طريقان:
أحدهما: أنه على قولي بيع الغائب.
وثانيهما: القطع بالاشتراط، وإبطال العقد عند عدم الرؤيةِ؛ لأن المساقاة عقد غرر من حيث إن العوض معدوم في الحال، وهما جاهلان بمقدار ما يحصل، وبصفته فلا يحتمل فيه غرر عدم الرؤية أيضاً، وإيراد الكتاب يقتضي ترجيح هذه الطريقة.
قال الرافعي: ويشترط في الثمار (١) أن تكون مخصوصة بالمتعاقدين، بينهما، ومعلومة وأن يكون العلم بها من حيث الجزئية دون التقدير، وهي بعينها شروط الربح في عقد القراض، فلو شرط بعض الثمار لثالث فسد العقد، وكذا لو قال: بساقيتك على أن كل الثمار لك، أو كلها لي، وفي استحقاق الأجرة عند شرط الكل للمالك وجهان، كما في القراض.
قال المزني: وهو الأصح لا أجرة له؛ لأنه عمل مجاناً. وقال ابن سريج: يستحقها؛ لأن المساقاة تقتضي العوض، فلا تسقط بالتراضي كالوطء في النكاح، ولو قال: ساقيتك؛ على أن لك جزءاً من الثمار فسد أيضاً، ولو قال: على أنها بيننا، أو على أن نصفها لي، وسكت عن الباقي، أو على أن نصفها لك، وسكت عن الباقي، أو على أن ثمرة هذه النخلة، أو النخلات لك أوْلى، والباقي بيننا، أو على أن صاعاً من
(١) خرج بالثمار الجرير والكرناف والليف فلا يكون مشتركاً بينهما بل يختص به المالك كما جزم به في المطلب تبعاً للماوردي وغيره.