إِن عجز، كتجهيز الميت بالتكفين، والغسل وحفر القبر، وحمل الجنازة، والدفن فإن هذه المؤنات تختص بتركة الميت، فإن لم تكن فحينئذ يجب على الناس القيام بها، فمثل هذا يجوز الاستئجار عليه؛ لأَن الأَجير غير مقصود بفعله حتى يقع عنه.
وعد من هذا القبيل تعليم القرآن، فإِن كل أَحد لا يختص بوجوب التعليم، وِإن كان نشر القرآن وإشاعته من فروض الكفايات، وهذا إذا لم يتعين واحد لمباشرة هذه الأَعمال، فإِن تعين واحد لتجهيز الميت، ولتعليم الفاتحة فوجهان:
أحدهما: المنع، كفروض الأَعيان ابتداء.
وأَصحهما: الجواز، كما أَن المضطر يجب إِطعامه، ويجوز تغريمه.
والضرب الثاني: ما يثبت افتراضه في الأَصل شائعاً غير مختص بشخص وموضع كالجهاد، فلا يجوز استئجار المسلم عليه؛ لأَنه مكلف بالجهاد، والذَّبَّ عن المِلَّة، فيقع عنه، ويجوز استئجار الذمي عليه، وسيأَتي ذلك في "كتاب السير" إِن شاء الله تعالى.
والقسم الثاني: شعائر غير مفروضة، كالأَذان تفريعاً على الأَصح، وفي جواز الاستئجار عليه ثلاثة أَوجه ذكرناها، وترتيبها في "باب الأَذان" فإِن جوزنا فعن الشيخ أَبي محمد وغيره ثلاثة أَوجه في أَن المؤذن علام يأَخذ الأَجرة؟
أَحدها: أَنه يأَخذ على رعاية المواقيت.
والثاني: على رفع الصوت.
والثالث: على الجبعلتين؛ لأَنهما ليسا من الأَركان.
والأصح: وجه رابع: أَنه يأخذه على جميع الأذان بجميع صفاته، ولا يبعد استحقاق الأجرة على ذكر الله تعالى -كما لا يبعد استحقاقها على تعليم القرآن، وإن اشتمل على القرآن، ويتخرج على هذه التقاسيم صور.
منها: الاستئجار، لإمامة الصلاة المفروضة ممنوع منه، والإمامة في التراويح وسائر النوافل وجهان.
الاصح: المنع؛ لأَن الإِمام حصل لنفسه، ومهما صلى اقتدى به من يريد، وإن لم ينو الإِمامة، وإن توقف على نيته شيء، فهو إِحراز فضيلة الجماعة، وهذه فائدة تحصل لهَ دون المستأجر، ومن جوزه ألحقه بالاستئجار للأذان لتأدي الشعائر.
ومنها: الاستئجار للقضاء ممتنع؛ لأن المتصدِّي له قد تعلّق بعمله أَمر الناس عامة، وأَيضاً فأعمال القاضي غير مضبوطة.