أصحهما: أَنه يستحق الأُجرة بأسرعهما إِتماماً، فإن تم العمل قبل إِتمام اليوم وجبت الأُجرة، وإِن انقضى النهار قبل تمام العمل فكذلك والثاني الإعتبار بالعمل مقصود فإن تم قبل انقضاء اليوم وحب الأجرة اليوم قبله وجب إِتمامه، وبالأَول أَفتى القفال وذكر أَنه إِن انقضى النهار أَوَّلاً لم يلزمه خياطة الباقي، وإِنْ تم العمل أَولاً، فللمستأجر أَن يأَتي بمثل ذلك القميص ليخيط بقية النهار، فإن قال في الإِجارة: على أَنك إِن فرغت قبل تمام اليوم لم تخط غيره، بطلت الإِجارة؛ لأَن زمان العمل يصير مجهولاً. إِذا عرفت ذلك فالمنافع متعلقة بالأَعيان، وتابعة لها، وعدد آحاد الأَعيان التي تستأجر كالمتعذر، فَعُنى الأَصحاب بثلاثة أَنواع تكثر البلوى بإِجارتها ليعرف طريق الضبط فيها، ثم يقاس بها غيرها.
أحدها: الآدمي يستأجر لعمل، أو صناعة كالخياطة، فإِن كانت الإِجارة في الذمة قال: لزمت ذمتك خياطة هذا الثوب، ولو أَطلق وقال: ألزمت ذمتك عمل الخياطة كذا يوماً.
قال القاضي أبو الطيب: لا يصح، وبه أَجاب صاحب "التتمة" توجيهاً بأنه لم يعين عاملاً يخيط، ولا محلاً للخياطة، فلا ترتفع الجهالة. وإن استأجر عينه قال: استأجرتك لتخيط هذا الثوب ولو قال لتخيط لي يوماً أَو شهراً، نقل أَكثرهم جوازه أَيضاً، ويجب أَن يبين الثوب، وما يريد منه من القميص، أَو القبا، أَو السَّراويل، والطول، والعرض، وأَن يبين نوع الخياطة، أَهي رومية، أَو فارسية؟ إِلاَّ أَن تطرد العادة بنوع فيحمل المطلق عليه.
ومن هذا النوع الاستئجار لتعليم القرآن، ذكر الإمام وصاحب الكتاب أَنه يعين السورة والآيات التي يعلمها، أَو يقدر المدة، فيقول: لتعلمني شهراً، وفي إيراد غيرها ما يفهم عدم الاكتفاء بذكر المدة، واشتراط تعيين السور والآيات؛ لتفاوت التعليم سهولة وصعوبة. وفي وجه أَنه لا يجب تعيين السور, وإذا ذكر عشر آيات كفى.
وفي "المهذب" وجه أَنه لا بد من تعيين السور، لكن يكتفي لإطلاق العشر منها، ولا يعين واحتج له بما روي أَنهِ صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ في قِصَّةِ التَّي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَيْه لبعض القوم: "إِني أُريد أَنْ أُزَّوِجُكَ هَذِهِ إِنْ رَضْيتِ فَقَالَ: مَا رَضِيْتَ لِي يَا رَسَولَ اللهِ فَقَدْ رَضِيْتُ فَقَالَ لِلرَّجُلِ: هِل عِنْدَكَ شَيء؟ قَالَ: لاَ قَالَ مَا تَحْفَظُ شَيْئًا مِنَ الْقُرآنَ؟ قال: سُوَرةَ البْقَرَةِ والَّتي تَلِيْهَا. قَالَ: قُمْ فَعَلِّمْهَا عِشْرَين آية وَهِيَ امْرأَتُكَ (١).
(١) أخرجه أبو داود (٢١١٢) من حديث أبي هريرة ورواه البخاري (٥٠٣٠) ومسلم (١٤٢٥) من حديث سهل.