قال الرافعي: الشرط الخامس: كون المنفعة معلومة؛ وقد اعتبر في البيع العلم بثلاثة أُمور من المبيع: العين، والقدر، والصفة.
أَما العين، فلما لا يجوز أَن يقول: بعتك أَحد هذين العبدين، لا يجوز أَن يقول: أَجرتك أَحدهما، بل إما أَن يلتزم في الذمة كما يلتزم بالسلم، وإما أَن يؤجر عيناً معينة، ثم إن لم تكن لها إِلاَّ منفعة واحدة، فالإِجارة محمولة عليها، وإِن كانت لها منافع لا بد من البيان. وأَما الصفة، فقد ذكرنا أَن إِجَارة العَيْن الغائبة على الخلاف في بيعها.
وأما القدر، فهو المقصود بالذكر فاعلم أَن قدر المنفعة يشترط العلم به، سواء كانت الإِجارة في الذمة، أَو كانت إِجارة عين، بخلاف المبيع، فإِن الشيء المعين إذا بيع تغني المشاهدة عن تحقيق القدر. والفرق أَن المنافع ليس لها حضور محقق، وإِنما هي متعلّقة بالاستقبال، والمشاهدة لا يطلع فيها على الغرض، ثم المنافع تقدر بطريقتين: تارةً تقدر بالزمان، كما إِذا استأجر الدار ليسكنها سنة.
وتارةً بمحل العمل، كما إِذا استأجر الخَيَّاط ليخيط له الثوب المعين، أَو الدابة ليركبها إِلى موضع كذا.
ثم قد يتعين الطريق الأَول، كما في استئجار العقارات، فإِن منافعها لا تنضبط إِلاَّ بالمدة وكالإرضاع فإِن تقدير اللبن لا يمكن، ولا سبيل فيه إِلاَّ الضبط بالزمان.
وقد يسوغ الطريقان كما إِذا استأجر عين شخص أَو دابة يمكنه أَن يقول: ليعمل لي كذا شهراً، وأَن يقول: ليخيط هذا الثوب، وفي الدابة أَن يقول: لأتردد عليها في حوائجي اليوم، أَو يقول: لأَركبها إِلى موضع كذا، فأَيهما كان كفي لتعريف المقدار، فإِن جمع بينهما بأَن قال: استأجرتك لتخيط لي هذا القميص اليوم ففيه وجهان:
أصحهما: وهو المذكرر في الكتاب، وبه قال أَبو حنيفة: أَنه لا يجوز؛ لأَن في إِضافة الزمان إِلى العمل غرراً لا حاجة إِلى احتماله؛ لجواز انتهاء العمل قبل انتهاء اليوم وبالعكس، وهذا كما إِذا أَسلم في قفيز حِنْطَة، بشرط أَن يكون كذا لا يصح؛ لاحتمال أَن يزيد أَو ينقص فيتعذر التسليم.
والثاني: يجوز، والمدة مذكورة للتعجيل، فلا تؤثر في فساد العقد، وعلى هذا فوجهان: