ولعمل الحَدَّادين، والقصارين، ولطرح المزابل فيها، وهي أكثر ضرراً، أَلاَ تَرىَ إذا استأجر للسُّكنى لم يكن له شئ من هذه الانتفاعات؟ فإذا ما جعلوه مبطلاً في إجارة الأرض مطلقاً موجود في الدار ولئن قيل الإجارة لا تكون إلاَّ لاستيقاء منفعة، فإذا أجر الدَّارَ وأطلق، منزل على أدنى الجهات ضرراً، وهي السكنى، ووضع المتاع لزم في إجارة الأرض مثله حتى ينزل على أدنى الجهات ضرراً وهي الزراعة، ويصح العقد بها، وهذا الإشكال ينساق إلى أنه لابد في استئجار الدار من بيان أنه يستأجر للسكنى، أو للعمارة فيها، وقد أجاب بعض شارحي "المفتاح".
ولو قال: أجرتك هذه الأرض تنتفع بها ما شئت.
فمنقول الإمام وصاحب الكتاب أن الإجارة صحيحة، وله أن ينتفع ما شاء لرضاه. وفي "التهذيب" وجه آخر: أنها لا تصح كما لو قال: بعتك من هؤلاء العبيد من شئت. ولو قال: أجرتكها للزرعة، ولم يذكر ما يزرع أو للبناء والغراس، وأطلق فوجهان كالوجهين المذكورين فيما إذا أعار الأرض للزراعة، ولم يبين الزرع.
أظهرهما: عند الأكثرين الجواز.
وبالمنع قال أبو حنيفة وابن سريج ونقله القاضي ابن كج عن نصه في "الجامع الكبير" وحكى للأول عن تخريج ابن القطان حكايته الشيء الغريب، ومن جوّز قال: له أن يزرع ما شاء لإطلاق اللفظ، وكان يجوز أن ينزل على أقل الدرجات، ولو قال: أجرتكها لتزرع، أو لتغرس لم يصح، ولو قال: إن شئت فازرعها، وإن شئت فاغرسها، فأصح الوجهين ما ذكر في الكتاب صحة الإجارة ويخيّر المستأجر.
والثاني: المنع كما لو قال: بعتك بألف مُكسَّرة إن شئت، وصحيحة إن شئت، واستشهد في الكتاب للوجه الأول بماذا قال: لتنتفع كيف شئت؟
لكنَّا حكينا الخلاف فيه أيضاً فلا فرق.
ولو قال: أكريتك فازرعها واغرسها، أو لتغرسها وتزرعها ولم يبين القدر فوجهان.
أحدهما: وبه قال ابن سلمة: يصح وينزل على النصف، وعلى هذا فله أن يزرع الكل لجواز العدول من الغراس إلى الزرع، ولا يجوز أن يغرس الكل.
وأقربهما: وبه قال المزني وابن سريج، وأبو إسحاق: أنه لا يصح؛ لأنه لم يُبَيِّن كم يزرع؟ وكم يغرس؟ بل لو قال: لتزرع النصف، وتغرس النصف فعن القَفَّال: أنه لا يصح لأنه لم يُبَيِّن المغروس والمزروع، فصار كما إذا قال: بعتك أحد هذين العبدين بألف والآخر بخمسمائة، ويجب في استئجار الأرض للبناء بيان موضعه وطوله