للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الرَّافِعِيُّ: في الفصل صورتان:

إحداهما: إذا استأجر أرضاً للزراعة، فانقضتَ المدَّة ولم يدْرِك الزَّرعَ، فلا يَخْلُو، إمَّا أن يكون الاستئجارُ لزراعةِ زرْع معين، أو للزراعةِ مُطلقاً، أَمَّا في الحالة الأولى، فلعدم الإدراك أسباب:

إحداها: التقصير في الزراعة. بأنَّ أخَّرها حتى ضاق الوَقْت، أو أبْدل الزَّرْع المعَّين بما هُوَ أبْطَأُ إدراكاً أو أكله الجَرَادُ، فزرعه ثانياً، فللمالك إجبارُه علَى قلْعِه، وعلى الزارع تسويةُ الأرْضِ، كالغاصب، هذا لفْظه في "التهذيب"، وقضيَّة إلحاقه بالغَاصِب أن يقلع زرعه قَبْل انقضاء المدَّة أيضاً، لكن صَاحِبَ "التَّتمَّة" وغيرَه صرَّحوا بأنه لا يقْلَعَ قبل انقضاء المدة؛ لأنَّ الأرْضِ في الحال (١) لهُ.

وللمالك منعُه من زراعةِ ما هُوَ أبطأ إدْراكًا في الابتداء، وهل له المنْعُ من زراعة النَّوْع المعيَّن إذا ضاق الوقتُ؟ فيه وجهان؛ لأنَّه استحقَّ منْفعةَ الأرْضِ في تلْك المدة (٢)، وقد يقْصِد القَصِيلَ (٣).

والثاني: أن يكونَ تأخُّر الإدراك لِحَرٍّ أو بَرْدٍ، فالظَّاهرُ، وهو المذكور في الكتاب أنه لا يجبر على القَلْع، بل على المالِك الصَّبْرُ إلى الإِدراك مجَّاناً، أو بأُجْرة المِثْل.

وفيه وَجهٌ أنَّه يقْلَع مجَّاناً؛ لأنَّه لم يرْضَ بشغْل ملكه فيما وراء المدَّة، ومن هذا القبيل ما إذا أكل الجرادُ رُؤوس الزَّرْع، فنبتت ثانياً، وتأَخَّر الإدراك وكذا التأخُّر لكثرة الأمطار.

والثالث: أن يكون ذلك الزَّرع، المعيَّن، بحيث لا يدرك في المدَّة كما إذا استأْجر لزراعة الحِنْطة شهرَيْن، فإنه شرط القَلْعَ بعْد مضىِّ المدة، جاز، وكأَنَّه لا يبغي إلاَّ القَصِيل ثُمَّ لو تراضَيَا على الإبْقَاء مجَّاناً أو بأجْرة المثْل، فلا بأْسَ، وإن شرطا الإبْقاء، فَسَدَ العَقْدُ، للتناقض بينه وبين التوقيت، ولجهالة غاية الإدراك، ويجيء فيه خلاف سنذكره إن شاء الله تعالى، وإذا فسد العقد فللمالك منعه من الزِّراعة، لكن لو زَرَع، لم يقلع زرْعه مجَّانًا للإذْن، بل يُؤخَذُ فِيه أُجْرة المِثْل لجميع المُدَّة وإن أطلقا العَقْد، ولم يتعرَّضا لقلْعٍ، ولا إبقاءٍ، فوجهان:


(١) قال النووي: الصواب ما صرح به المتولي وغيره، وليس مراد البغوي بإلحاقه بالغاضب، القلع قبل المدة.
(٢) في ز: الجهة.
(٣) القصيل: ما أقُتطِعَ من الزرع أحضرَ لعلف الدَّواب ينظر: المعجم الوسيط ٢/ ٤٤٧. وقال النووي: الأصح أنه ليس له منعه.

<<  <  ج: ص:  >  >>