للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجاوَزه من حيْثُ إِنَّهُ استوفى المستحقَّ، وزاد في الضّرر، وموجبها المسمَّى وبذل المال (١) لما زاد، فخيَّرْناه بيْنَهما.

وأيْضاً، فإنَّ المكْري استحق أجرة الذرَة، والمكتري استحقَّ منفعة زراعة الحِنْطَة، وقد فاتتْ بمضيِّ المدَّة، فأما أن يأخُذَ المكْرِي ما يستِحقُّ، ويردُّ ما أخذ، وإمَّا أن يتقاضَيَا، ويأْخُذَ الزيادة، وذكر الذاهِبُون إلَى هذه الطريقة للقولَيْن هكذا فأَخَذَين:

أحدهما: قرنوهما من القولَيْن فيما إذا الصَرَّف الغاصِبُ في الدَّرَاهم المغْصُوبة ورَبح، فعلى أحدهما: يأْخُذ المالك مثْلَ دراهمه.

وعلى الثاني: يتخيَّر بينه وبَيْن أن يأْخُذَ الحَاصِلَ بربحه.

والثَّاني: قال الشيخ أبو محمَّد في "السِّلْسِلَة ": قولُ الرجُوع إلى أُجْرة المثل مبني على أن البائع إذا أتلف المبيعَ قَبْل القبض ينفسخ البيع، ويقدر كأن العقد لم يكُنْ، والتخْييرُ مبنيٌّ على أن البيع لا ينْفَسخ، بل يتخيَّر المشتري بيْن أن يفْسَخ، ويستردَّ الثَّمَنَ، وبين أن يتخيَّر، ويرْجِع على البائع بالقيمة، هذا البناءُ لَيْسَ بواضح؛ لأن المُكْرِيَ هو الذي يَقَع في رتبة البائع، وَلَمْ يوجدُ منه إتلافٌ، وإنَّما المُكْتَرِيَ فَوَّت المنفعةَ المستحَقَّةَ على نفْسِه، فكان ذلك بإتلاف المشتَرِي أشْبَهُ.

والطريق الثاني في أصْل المسألة: القطْعُ بالتَّخْيير، وهو أوفق لظاهر النَّصِّ، وبه قال أبو عليٌّ الطبريُّ، والقاضي أبو حامدٍ وكذا ابنُ سُرَيْج فيما حكاه القاضي ابن كج، ونقل الشيخُ أبو حامد، ومن تابعه ذهابَ ابن سُرَيْجٍ إلي الأوَّل [مُنَ] طريقَي القولَيْن، ونسب ذلك إلى المُزَنيِّ أيضاً؛ لأنه قال بعد، ذكر التَّخْيير "يشبه أن يكون الأول أولَى"

فأشعر بأن طرفَي التخيير قولان، ولكن من قال بالطريق الثاني والثالث تراجع أولى، فقال: أراد أولى وجهَي الخيار لا أوَّلَى [وجهيَ] القولَيْن، وحينئذٍ، فلا يكون مثبتاً قولَيْن، والله أعلم، إذا تَخاصما بعْد إنقضاء المدَّة وحصاد الذُّرَة.

أما إذا تخاصَمَا في ابتداء قصْده زراعةَ الذُّرة، مَنَعْنَاهُ مِنها، وإنْ تخاصَما بعْد الزِّرَاعة وقبل الحصادِ، فله قلْعُها، وإذا قلَع (٢) فإن تمكَّن من زراعة الحِنْطَة، زرَعَها، وإلاَّ لم يَزْرَع، وعليه الأجرةُ لجميع المدَّة؛ لأنه المفوِّت لمقصود العقْد على نفْسِه، ثم إن لم تمضىِ مدَّة تتأثر (٣) بها الأرْض، فذاك، وإن مضَتْ، فلمستَحَقُ أجرة المِثْل؟ أمْ قسْطُها منْ المسمَّى، وزيادة النقصان؟ أم يتخيَّر بينهما؟ فيه ما تقدَّم من الطرق، وهي جاريةٌ فيما إذا استأجر داراً؛ ليسْكُنها، فأسكنها الحدَّادينَ أو القَصَّارين، أو دابَّةً؛ ليحمل


(١) في ز: المثل.
(٢) في ز: قلعها.
(٣) في ز: سائر

<<  <  ج: ص:  >  >>