للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الوجه الثاني لكنَّ الأصحَّ عند المعْظَم الأَوَّلُ. ويترتَّب على الوجهَيْن ما إذا أفلس المكْرِي بعد تعْيِين دابَّةٍ عن إجارة الذِّمَّة، هل يتقدَّم المكتري بمَنْفَعَتِها؟ وقد ذكَرْنا ذلك في "التفْلِيس" والأصَحُّ التقديمُ، وهو الذي ذكره في "التهذيب" ولو أراد المكْتَرِي أن يعتاضَ عنْ حقِّه في إجارة الذمَّة إن كان قبل أن يتسلَّم دابةً، لم يَجز لأنَّه اعتاضَ عن المسلّم فيه، وإنْ كان بعد التسليم، جاز؛ لأنَّ الاعتياض، والحالة هذه، واقعُ عن حق في عين، هكذا ذكره الأئمة، وفيه دليلٌ على أن القبض يفيد تعلُّق حقِّ المكتري بالعَيْن، فيَمْتنِع الإبدالُ دون رضاه.

قَالَ الغَزَالِيُّ: ويجُوزُ إِبْدَالُ المُسْتَوْفي فَلَهُ أَنْ يُرْكِبَ (ح ز) مِثْلَ نَفْسِهِ، بَلْ لَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ الدَّابَّةَ وَالدَّارَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ يَجْوزُ إِبْدَالُ الأَجِيرِ المُعَيَّنِ وَالدَّابَّةِ وَالدَّارِ، وَفِي إِبْدَالِ الثَّوْبِ الَّذِي عُيِّنَ لِلْخِيَاطَةِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي عُيِّنَ لِلرَّضَاعِ وَالتَّعْلِيمِ وَجْهَانِ.

قال الرَّافِعِيُّ: هذا الفصْلُ لاَ يَختصُّ بنوْع إجارةِ الدَّوَابِّ؛ وإنَّما هو قولٌ جملى في إبدال متعلِّقات الإجارة، والمنفعةُ المطْلُوبةُ بالعَقْدُ لها مستوفٍ، ومستوفىً منه، ومستوفَى به. فأما المستوفَي، فهو المستَحِقُّ للاستيفاء، فله أن يُبْدِل نفسه بغيره، كما يجوز له أن يؤجر ما استأجره من غيره، فإذا استأْجر دابَّةً للركوب، فله أن يركبها مثل نفسه في الطُّول، والقِصَر، والضَّخَامَة والنَّحَافَة، ومَنْ هو أخف منه وكذلك يلبس الثوب من هو في مثْل حاله، ويسكن الدار مثْلَه دون القَصَّار والحدَّاد؛ لزيادة الضرر وكذا إذا استأجر دابة لِحَمْل القطْن، له حَمْل الصوف، والوبر، أو لحمل الحديد، له حمْلُ الرَّصَاص، والنُّحَاس، وإذا استأجر للحَمْل، فأراد إركاب من لا يزيدُ وزنُهُ على وزن القَدْر المحمول؟ قال في "التتمة": يرجع إلَى أهل الصنعة، فإن قالوا: لا يتفاوَتُ الضرَرُ، جاز، وإن قَالوا: يتفاوَتُ، فلا يجوز. وكذا لو استأْجر للركوب، فأراد الحمل، فالظاهر المنْعُ من الطرفين، وهو قضية ما في "التهذيب" وقوله في الكتاب: "فلَهُ أنْ يرْكِب مثل نفسه" يجوز أن يَعْلَم بالحاء؛ لأن عند أبي حنيفة لا يجوز إبدالُ الراكب، واللابس، وسلَّم أنه لو أكْرَى داراً؛ ليسْكُنَها، جاز له أن يُسْكِنُها غيره، وبالزاي؛ لأن القاضي ابن كج حكَى عن المزنيِّ منْعَ إبدال الراكب، وأما المستوفَى منه، فنحو الدار، والدَّابة المعيَّنة (١)، والأجيْر المعتَبَر (٢)، لا يجوزُ إبداله كما لا يجوزُ إبدالُ المَبيع (٣).


(١) هو قيد في الدابة، لأن الدار لا تكون إلا معينة، ولو كان قيداً فيها لوجب الشبيه.
(٢) في الروضة: الأجير المعين.
(٣) ولهذا تنفسخ الإجارة بتلفه، ويرد بالعيب، ويستثنى من جواز الإبدال إذا لم تكن معينة ما إذا أسلم دابة عما في الذمة فإنها لا تبدل بغير رضاه في الأصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>