عليه لو ماتتِ الدابَّة في الإصطبل، ولو انهدم عليها، فهلكت، نُظِرَ؛ إن كان المعهُود في مثل ذلك الوقْت، أن تكونَ الدَّابَةُ تَحْتَ السَّقْف كجنح الليل في الشتاء، فلا ضمانَ، وإنْ كان المعهودِ في ذلك الوَقْتِ، لو خرج بها أن يكون في الطريق، وجب الضَّمَان؛ لأنَّ التَّلَفَ، والحالة هذه، جاء من ربْطِها في الإصْطَبل، وقوله في الكتاب:"وقبل الانتفاع لو ربط الدابة ولم ينتفع" الجمع بين اللفظَيْنِ موحسن؛ لأن الثاني ينفي الانتفاع.
وقوله:"قبل الانتفاع" يقتضي أن يكونَ الانتفاعُ حصولاً، وأيضاً، فإنَّ كونَهُ غيْر منتفع قبل الانتفاع أوضحُ من أن يُذْكَر، فلا حَاجَةَ إلَى قوله:"ولمْ ينتفعْ" ولو اقتصر على قوله: "ولو ربط الدابة ولم ينتفع" لأفاد المطلوب.
قالَ الرَّافِعِيُّ: المالُ في يد الأجير كالثَّوبْ إذا استؤجر؛ لخياطته، أو صبغه، أو قصارته، والعَبْد إذا استُؤْجِرَ، لتعليمه، أو لرضاعه والدَّابةِ إذا استؤجرت، لرياضتها، إذا تلف، لم يخْلُ، إمَّا أن يكون الأجِيرُ منفرداً باليد، أو لا يكون:
الحالَةُ الأُولَى: إذا كان منفرداً باليد، فهو إما أجيرٌ مشترَكٌ، أو منفردٌ، والمشترك هو الذي يتقبَّل العمل في ذِمَّته، كما هو دأْب الخيَّاطين والصوَّاغين، فهذا التزم لواحدٍ أمكنه أن يلتزم لغيره مثْلَ ذلك العَمَل؛ فكأنَّه مشتركٌ بين الناس، والمنفردُ هو الذي يمكنه أجْرُ نفسه مدَّةً مقدَّرةً لعمل، فلا يمكنه تقبُّل مثل ذلك العمل لغيره في تلْك المدَّة، وقيل: المشتركُ هو الذي شاركه في الرأي، فقال: اعمل في أيِّ موضع شئت، والمنفردُ هو الذي عيَّن عليه العمل فهو صِنعه.
أما المشتَرَكُ، فَهَلْ يضمن ما تَلِف في يده منْ غير تقصير وتعدٍّ؟ فيه طريقان:
أصحُّهما: أن فيه قولَيْن:
أحدهما: يضمن، وبه قال مالكٌ؛ لأنَّه أخذ لمنفعة نفسه، فأشبه المستعير، والمستام، وأيْضاً، فقدْ رُوَي عن عُمَرَ وعَلِيٍّ (١) -رضي الله عنهما- تضمينُهُ، صيانةً لأموال الناس عن الخيانة المحرمة.
(١) قال الحافظ في التلخيص: حديث عمرو على في تضمين الأجير، أما عمر: فأخرجه عبد الرزاق بسند منقطع عنه: أن عمر ضمن الصباغ، وأما علي: فروى البيهقي من طريق الشَّافعي عن علي بسند ضعيف، قال الشرافعي: هذا لا يثبت أهل الحديث مثله، ولفظه: أن علياً ضمن الغسال =