للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَصَحُّهُما، وبه قال أحمدُ واختاره المُزَنيُّ: أنَّه لا يضمن، كما لا يضمن المستأجر ولَيْسَ أخذه لمحض غرضه، بل هو لغرضه، وغرضِ المالِكِ، فأشبه عامِلَ القِرَاض.

والثاني: القَطْعُ بالقَوْل الثَّاني، ويُحْكَى هذا عن الرَّبيع؛ لما اشتهر عنه أن مذهب الشافعيِّ رضي الله عنه أن الأجراء لا يَضْمَنُون إلاَّ أنَّه كان لا يبُوح به خَوْفاً من أُجَراء السُّوء، ومن قال بهذا قال قوله في "المختصر": والأُجَرَاءُ كلُّهم سواء، وما تلِفَ في أيديهم منْ غيْر جنايتهم، ففيه واحدٌ من القَولَيْن:

أحدهما: الضمان.

والآخَرَ: أن لا ضمان إلاَّ بالعدوان، أراد به الردَّ على أبي حنيفة رضي الله عنه حيث قال: ما تَلِفَ في يد الأجير المشتَرَكِ بآفة سماوية، أو سرقةٍ، فلا ضمانَ علَيْه، وإن تلف بفعْله، ضَمِن، فإن كان بالفعل المأذون فيه، كتخرُّق الثوب بدقِّ القصَّار، إلا أن يكون الفعلُ المأذُونُ فيه جرحاً وختانٍ من قصد وختان، ونحوهما فقال: لا وجْهَ لما ذكره إنما المتَّجه أحد القولَيْن.

أما ما قلت: وهو أنه لا يضمن بحالٍ، أو ما قال أبو يوسُفَ، وهو أنَّه يضمن ما تَلِف بفعْله، أو بالآفةِ السَّماويَّة، وأما المنفردُ، فهو أولَى يبقى الضمان؛ لأنَّ منافعه مختصةٌ بالمستأجر في المدَّة، فكانت يده كالوكيل مع الوكيل، فمَنْ قَطَع بنفي الضمان في المشتَرَكِ، ففي المنفرد أولى والمثبتون للخلاف هناك افترقُوا هاهنا فطرد أكثرهم الخلافَ، وعليه يدل نصه (١) "أنَّه الأجراء كلَّهم سواء" وقطَع بعضُهم بنفي الضمان، ويُحْكَى هذا عن أبي الحُسَيْن بنْ القَطَّان، والقَفَّال وفي "تعليق" الشيخ أبي حامدٍ أَنَّ الطريقتَيْن إن فسَّرْنا المنفرِدَ بالتفْسِير الأول، فأما على الثاني (٢)، فليس إلاَّ القطْعُ بنفي الضَّمَان، وإذا جمعتْ بيْن الطرُق، قلْتَ: في ضمان الأجير ثلاثة طرق:

أحدُهَا: إثباتُ قولَيْن فيه.

والثاني: القَطْعُ بأنه لا يَضْمَن.

والثالث: القَطْعُ بأن المنفرد لا يضمن وتخصيص القولَيْن بالمشترك، وإذا اختصرْتَ، قلْتَ: فيه ثلاثة أقوالٍ كما في الكتاب.


= والصباغ، قال الشَّافعي: لا يصلح الناس إلا ذلك، وروى عن عثمان من وجه أضعف من هذا، وروى البيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي أنه كان يضمن الصباغ والصائغ، وقال: لا يصلح الناس إلا ذاك، وعن خلاس أن علياً كان يضمن الأجير.
(١) ينظر: المختصر مع الحاوي الكبير ٧/ ٤٢٥.
(٢) في ز: هاهنا على الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>