للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك مثل أن يسرف الأجيرُ على الخُبزْ في الإيقاد، أو يلْصِقَ الخبز قبل وقته أو يتركه في التَّنُّور فوْق العادة حتى يحْتَرق، أو ضرب الأجير على التأديب والتعليم الصبي فمات؛ لأن تأديب الصبيِّ بغير الضرْب ممكن، ومهما اختلف الأجير والمستأجر في أنَّه هل تعدَّى، وجاوز المعتادَ بعمله أم لا؟ راجعنا فيه عدلَيْن من أهل الخِبْرة، وعمِلْنا بقولهما، فإن لم نجد من نراجعه، فالقولُ قول الأجير؛ لأن الأصْلَ براءته من الضمان، ومهما تَلِف المالُ في يد الأجير بعْد تعدِّيه، فالواجبُ أقصى قيمة من وقْتِ التعدِّي إلى التَّلف، إنْ لم يضمن الأَجِير، فإن ضمناه، فأقصى قيمه من يوم القبْضِ إلى التلف، هكذا ذكره صَاحِبُ "التهذيب" وغيرُه، ويُشْبِه أن يكونَ هذا جواباً عَلى قولنا: إنَّهُ يضمن بأقْصَى القيمة منْ يوم القبض إلى التَّلَف، فأما إذا قلْنا: إنَّهُ يضمن الأجِير قيمةَ يوْمٍ التَّلَف، فينبغي أن يقال: الواجبُ ههنا أقصى قيمة منْ يوْم التعدِّي إلى التَّلَف (١).

قَالَ الغَزَالِيُّ: وَظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّ مَنْ غَسَلَ ثَوْبَ غَيْرِهِ أَوْ دَلَكَهُ أَوْ حَلَقَ رَأْسَهُ وَلَمْ يَجْرِ لَفْظُ الإِجَارَةِ اسْتَحِقَّ أُجْرَةً لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَنَافِعَ نَفْسِهِ باخْتِيَارِهِ، وَقَالَ المُزَنِيُّ: إنْ كَانَ عَادَتُهُ طَلَبَ الأُجْرَةِ اسْتَحَقَّ الأُجْرَةَ، وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ الحَمَّامَ لَزَمَهُ الأُجْرَةُ لِأَنَّهُ يُتْلَفُ مَنْفَعَةَ غيْرِهِ بِسُكُونِهِ، وَلاَ ضَمَانَ علَى الحَمَّامِيِّ إِذَا ضَاعَ الثِّيَابُ بِغَيْرِ تَقْصِيرِهِ علَى الأَصَحِّ (و) كَسَائِرِ الأُجَرَاءِ.

قَالَ الرِّافِعِيُّ: فيه مسْأَلَتَان:

إحداهما: إذا دفَع ثَوْباً إلى قَصَّارٍ؛ ليقصره، أو إلى خَيَّاط؛ ليخيطه، أو جلس بين يديْ حلاَّق، ليحْلِقَ رأسه، أَو دلاَّك، ليدلكه، فَفَعَل، ولم يجْر بينهما ذكْرُ أجرة ولا نفْيُها، ففيه أوجُهٌ:

أصحُّها: وَيُحْكَى عن النص أنَّهُ لا أجرة له؛ لأن المعمولَ له لَمْ يلتزَم عِوضاً وعمله كما يجوز أن يكونَ مقابلاً بعوض، يجوز أن يكون مجَّاناً، وصار كما لو قالَ: أطْعِمْنِي خبزك، فأطْعَمَه، لا ضمان عليه.

والثَّاني: أنَّه يستحِقُّ الأجرة؛ لأنَّه استهلَكَ عمَلَه، ولزمه ضمانه.

والثالث: وبه قال أبو إسحاق: أنه إن بدأ المعمول له، فقال: افعل كذا، لَزِمَه الأجرة، وإن بدأ العامِل، فقال: أعْطِنِي ثوْبَك؛ لِأُقَصِّره، فلا أجرة له؛ لأنه اختار تفويت منافعه.


(١) قال النووي: هذا الاستدراك الذي ذكره الرافعي متعين لا بد منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>