للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَوْلٌ أَنْ الأُجْرَةَ تَسْقُطُ عِنْدَ التَّحَالُف وَلَكِنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ فَكَانَ أَثَرُ التَّحَالُفِ فِي رَفْعِ العَقْدِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: القَوْلُ قَوْلُ الخَيَّاطِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيْفَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: القَوْلُ قَوْلُ المَالِكِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَضَيَ اللهُ عَنْهُ: قَوْلُ أَبِي حَنِيْفَةَ أَشْبَهُ، وَكِلاَهُمَا مَدْخُولاَنِ، وَقِيلَ: إِنَّهُمَا قَوْلاَنِ لِلشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ.

قَالَ الرَّافِعِيُّ: إذَا دفَع ثوباً إلَى خيَّاط، ليقطعه، ويخيطه، فخَاطَه قباءً (١) ثم اختلفا، فقال الخيَّاط: هكذا أمَرْتَنِي، وقال المالك: بلْ أَمرَتُكَ أن تقْطَعَه قميصاً، فحكايةُ الشافعيِّ رضي الله عنه في اختلافِ العراقِيِّين عن ابن أبي ليلَى أن القوْلَ قَوْلُ الخيَّاطِ. وعن أبي حنيفة رضي الله عنه أنَّ القوْل قولُ المالِكِ، روى المُزَنِيُّ في الجامِعَيْن "المختصر"، و"الكبير" أنه ذكر. بعد حكايته قولَيْهما؛ أنَّ قول أبي حنيفة أشبهُ بالحقِّ، وكلاهما مدخولٌ، وحَكَى في "الجامع "الكبير" عنه أنهما يتحالفان، وبه أجاب في "الإملاء" فيما إذا اسودَّ الصبَّاغُ ثوبه، وقال: هكذا أمَرْتَنِي، وقال المالك: أمرتُكَ بصبغة أحْمَرَ، واختلف الأَصْحَابُ على ثلاثة طرقٍ:

أحدها: إثباتُ ثلاثةِ أَقْوَالٍ في المَسْأَلة:

أحدها وبه قال مالكٌ وأحمدُ: أن القوْلَ قول الخيَّاط؛ لأنهما اتَّفَقَا على الإذْنِ في القَطْع، والظاهرُ أنَّه لا يتجاوَزُ المأذُون، ولأنَّ المالك يدَّعي عليه الغرم، والأصْلُ عدمه.

والثاني: وبه قال أبو حنيفَة واختاره المُزَنِيُّ: أن القول قولُ المالك؛ لأنهما لو اختلفا في أصْل الإذْن، كان القوْلُ قول المالِك، فكذلك، إذا اختلفا في صِفَتِهِ، وهذا كما لو قال: دفعْتُ هذا المالَ إليك وديعةً، فقال: بل رَهْناً أو هبةً، كان القولُ (٢) قولَ المالِك، وأيضاً، فإن الخيَّاطَ معترفٌ بأنَّه أحْدَثَ نقْصاً في الثَّوْب، ويدعّي أنه مأذونٌ فيه، والأصلُ عدمه، وأيضاً فإنَّه يدعي أنَّهُ أتى بالعمل الذي استأجره عليْه، والمالِكُ ينكره، فأشْبَهَ ما إذا استأجره لِحَمْل متاع، فقال الأجيرُ: حمَلْتُ، وأنْكَرَ المالِكُ، فإنَّ القولَ قوْلُ المالك.

والثالث: أنَّهُمَا يتحالَفَانِ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منْهما مُدَّعٍ ومدَّعىً عليه، فالخيَّاط يدعي الإجْرة والمالكُ ينكرُها (٣)، والمالكُ يدَّعِي الأرْشَ، والخيَّاط ينكره، وهذه الطريقةُ معزبةٌ في "شرح الجويني" إلى القفال.


(١) في د: عمائم.
(٢) في د: فالقول.
(٣) في ز: منكرها.

<<  <  ج: ص:  >  >>