وأما لو دفع إلى خياط ثوباً لتعطيه ويخيطه قميصاً على أن يفرغ منه في يومه هذا فالإجارة جائزة بين أبي حنيفة وصاحبيه، ثم إن وفي بالشرط أخذ المسمى، وإن لم يَفِ به فله أجر مثله على ألا يزيد على ما شرطه؛ لأنه لم يجعل الوقت معقوداً عليه، وإنما جعله بياناً لصفة العمل، فلا تأتي فيه علة المنع التي قال بها أبو حنيفة في المثالين السابقين. والحنابلة مختلفون أيضاً والراجح عندهم أن لا يجوز الجمع بين المدة والعمل ورُوي عن أحمد الجواز كقول أبي يوسف ومحمد، وخلاصة هذا الخلاف كله ثلاثة أقوال: ١ - المنع مطلقاً. ٢ - الجواز مطلقاً. ٣ - التفصيل إما بالمنع عند نقص الزمن، والجواز فيما عداه، وإما بالمنع عند نقص الزمن ومساواته والجواز عند زيادته، وإما بالمنع في بعض الأمثلة، والجواز في بعضها. والذي يظهر إنما هو التفصيل بين ما لو كان الزمن ينقص عن العمل، أو لا ينقص, فإن نقص فالعقد فاسد لعدم إمكان التسليم؛ ولأنه عبث ما لم يكن كناية عن السرعة غير مقصود به الاشتراط، فإنه حينئذ لا يضر، ولا يعتبر الاحلال به موجباً للخيار. وإن لم ينقص عن العمل بأن ساواه، أو زاد عليه صَحَّ العقد سواء قصد بذكر الزمن الاشتراط، أم جعله كناية عن السرعة؛ لأنه على فرض كونه للاشتراط إنما هو اشتراط للمصلحة، وليس فيه غرر أو جهالة تمنع من التعليم، وما يقال من أن الزمن حينئذ يكون معقوداً عليه فيؤدي ذلك إلى الجمع بين حكمين مختلفين، أو جهالة المعقود عليه، فهو غير ظاهر؛ لأن كل أحد يفرق بالضرورة بين من يقول خط عندي ثوباً وبين من يقول خط لي هذا الثوب في يوم، فمقصود، الأول تملك منفعة الأجير في الزمن المخصوص سواء أخاط له ثوباً، أم أقل، أم أكثر، أم سلم نفسه، ولو لم يعمل شيئاً, ومقصود الثاني إنما هو العمل المخصوص لا يملك سائر منافع الأجير، بل له أن يخيط في هذا الزمن له ولغيره، لكن اشترط الزمن للمصلحة، فليس معقوداً عليه، وإنما هو شرط إذا وفي به فالأمر ظاهر، وإن خاط الثوب في أقل منه فقد زاد حداً، واستحق المسمى، كما لو عجل المدين أداء دينه المؤجل، وإن أبطأ فخاط بعض الثوب في الزمن أو لم يخط شيئاً أصلاً فالمستأجر بالخيار بين الفسخ والإجازة، فإن فسخ، فللأجير أجر مثل ما صنع إن كان قد صنع شيئاً، ولا عبرة بالمسمى؛ لأنه سقط بالانفساخ، لأن لم يفسخ فليس على الأجير سوى إتمام العمل، وله المسمى. الإجارة على غير عمل لا بد فيها من التقدير بمدة، وهذا قدر متفق عليه بين الفقهاء، وقد =