وعلم من هذا أن لو قال دابتك البيضاء مثلاً فهي من قبيل ما في الذمة، وإن لم يكن للمكري غيرها، فلا تنفسخ الإجارة تبلفها لاحتمال إبدالها. يجوز في الإجارة على عمل من حرفة كالخياطة والبناء أو غيرها، كالحصاد، والدراس أن بقين بالزمن كيوم، أو جمعة، أو شهر، وأن تعين بمحل العمل دون الزمن ككتاب كتاب علم، أو بناء حائط، أو قنطرة، أو حفر بئر، أو خياطة ثوب إذا وُصِفَتْ هذه الأمور وَصْفاً رافعاً للنزاع، فهذا عينت بالزمن استحق العامل الأجرة على تسيمه نفسه في ذلك الزمن، وإن قل عليه، أو لم يتهيأ له عمل، وإذا عينته بمحل العمل استحق الأجرة على العمل طال الزمن أو قصر، فإن جمع الزمن والعمل، كان قال إنسان لآخر: خط هذا الثوب في هذا اليوم بكذا ففي ذلك تفصيل حاصله. أنه إن كان الزمن مساوياً للعمل بأن كان يسعه لا يزيد، ولا ينقص، فهو فاسد اتِّفَاقاً عند المالكية، فيما حكاه ابن رشد. وحكى ابن عبد السلام: أن أحد مشهورين، والآخر عدم الفساد، وإن كان الزمن أقل من العمل، فهو فاسد إتفاقاً عندهم، وإن كان الزمن أوسع من العمل جاز اتفاقاً على ما حكاه ابن عبد السلام، وفسد على المشهور على ما حكاه ابن رشد. وطريقة ابن عبد السلام أظهر في النظر على ما قال الدردير في "الشرح الكبير". وعلة الفساد فيما لو نقص الزمن عدم إمكان التسليم، وأما إذا ساوى أو زاد، فالعلة احتمال وجود طارئ يطرأ على الأجير يمنعه عن إتمام العمل في هذا الزمن فيؤدي ذلك إلى النزاع. والشافعية أيضاً يمنعون تقدير المنفعة بالزمن، ومحل العمل مقاماً لم يكن ذكر الزمن بقصد التعجيل. ولهم فيما لو زاد الزمن على العمل وجهان. أحدهما: نص عليه البويطي وهو الصحة, لأن عروض عائق عن الإكمال في الزمان المتسع خلاف الأصل، فلا ينظر إليه. وثانيهما: عدم الصحة، وهو الذي اعتمدوه. والحنفية مختلفون أيضاً في الجمع بين الزمن والعمل. فأبو حنيفة يقول فيه بفساد الإجارة، وأبو يوسف ومحمد يقولان: بجوازها. وجه قول الصاحبين أن المعقود عليه هو العمل؛ لأن هو المقصود، والعمل معلوم، فأما ذكر المدة، فهو للتعجيل، فلم تكن المدة معقوداً عليها، فإن فرغ من العمل قبل تمام المدة فله كمال الأجر، وإلا فعليه أن يتمه بعد المدة، وله أجر مثله على ألا يزيد على ما شرطه. ووجه قول أبي حنيفة: أن المقصود عليه مجهول؛ لأن ذكر أَمْرَ إنِ كل واحد منهما يجوز أن يكون معقوداً عليه، وهما العمل والمدة. =