للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= مورد عقد الإجارة هذا والخلاف في هذه المسألة لا ثمرة له؛ لأن الفقهاء جميعاً يقررون أن عقد الإجارة لا ينقل ملك الحين المؤجرة، بل مقتضاه تمليك منفعتها للمستأجر مدة تعود بعدها إلى ملك رَبِّهَا.
وللمنفعة التي هي ركن من أركان عقد الإجارة شروط لا بد من توفرها؛ ليصح العقد عليها، وتكاد تكون المذاهب متفقة في هذه الشروط من جهة المعنى، وإن اختلفت في العبارة تارة، وفي التفاصيل تارة أخرى ولذا رأينا أن نسلك في الحديث عنها مسلك المالكية، وإذا كان هناك خلاف مهم في بعض التفاصيل عرضنا له مع الموازن والترجيح، ومجمل هذه الشروط ستة، عليها.
الأول: أن تكون المنفعة معلومة علماً يمنع من التنازع من المسلم به أن المنافع أموراً إضافية، لا تستقل بالوجود، حتى تمكن مشاهدتها، فهي لا توجد إلا تبعاً لمضافاتها، فمعرفتها تكون بمعرفة محلها، وقدرها وصفتها، وفي ذلك تفاصيل متشعبة في كتب المذاهب يحسن أن نلم بطرف مهم منها فيما بعد.
علم أن عقود المعاوضة، ومنها الإجارة مبنية على رضا المتعاقدين على ما قبلا التعاقد عليه، ولا يمكن أن يتوجه التراضي حقيقة إلا إلى المعلوم، وبهذا تظهر الحاجة إلى هذا الشرط، وقد استنبطه الفقهاء من عمومات الكتاب والسنة.
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}.
فقد جعل الله كل الأموال دون تراض من الجانبين أكلاً بالباطل، ومن ثمَّ وجب التراضي، والتراضي لا يمكن أن يتوجه إلا إلى معلوم.
وروى الإمام أحمد عن أبي سعيد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نهى عَنِ اسْتِئجَارِ الأِجِيرِ حَتَّى بَيْنَ لَهُ أَجْرُهُ".
فإن بدل بعبارته على أن العلم بالأجر شرط في صحة الإجارة نصحوا على اشتراط العلم بالمنفعة؛ لأنها المقصودة بالذات.
وللعلم بالمنفعة طرق مختلفة باختلاف ما تتعلق به.
وإليك أمثلة من ذلك.
لو استؤجر معلم للتعليم، فلا بد من تعيين المتعلم بالإشارة، أو بال العهدية، أو وصفه، فإن لم يعين أو يوصف فسدت الإجارة، ومثله استئجار المرضعة، فلا بد فيه من تعيين الرضيع أو وصفه، ولو بذكر السن لاختلاف حاله بكثرة الرضاع، وقلته.
لو استؤجرت دار للسكنى مثلاً، أو حانوت لنحو التجارة فلا بد من تعيينيهما، أو وصفهما بذكر الموضع والحدود، ونحر ذلك مما تختلف باختلافه الأجرة إذ لا يصح أن يكون العقار المستأجر في الذمة.
لو استؤجر جدار للبناه عليه وجب وصف البناء بأن يذكر طول ما يبنى وعرضه، وكونه من حَجَرٍ أو لبن، أو غير ذلك، بخلاف كراء الأرض للبناء عليها، فلا يشترط فيه ذلك؛ لأنه لا يتعلق به غرض، بل يكفي المساحة.
لو اكتريت دابة ونحرها لركوب أو غيره، فإن لم تكن في الذمة، فلا بد من تعيينها بالإشارة =

<<  <  ج: ص:  >  >>