المتعاقدَيْن، فلا تنفسخ الإجارةُ بمَوْت المستأجِرِ، ولا مَوْتِ المؤَجِّر، وبه قال مَالِكٌ وَأَحْمَدُ رحمهما الله بل إن مات المستأْجر، قام وارثه مَقَامَهُ في استيفاءِ المَنْفَعة، وإن مات المؤَجِّر، نزل المال عند المستأْجِر إلى انتهاء مدَّة الإجارة، فإن كانَتِ الإجارةُ واردةً على الذمة، فما التزمه دَيْنٌ عليه، فإن كان في التركة وفَاءٌ، استُؤْجِرَ منها لِتَوْفِيَته، وإلاَّ، فالوارث بالخيار، إن شاء وفَّاه، واستحق الآجرة، وإن أعرض فللمستأْجِرِ فسخ الإجارةَ (١).
وقال أبو حنيفةَ: ينفسخ العقد بموت كلِّ واحدٍ منهما.
لنا: القياسُ على البَيْع، وعَلى ما إذا زوج أَمَتَه، ثم مات، وانفساخُ الإجارة بموت الأجير كان من جهة أنَّه مورد العَقْد لا من جِهَة أنَّه عاقِدٌ.
ولو أوصَى لزيْدٍ بمنفعةِ دَارِه مدة عُمْرِ زَيْدٍ، فقَبِلَ الوصيَّةَ، وأجَّرها مدة، ثم مات في خلالِ المدَّة، تنفسخ الإجارة؛ لانتهاء حقه الذي هو مورِدُ الإجارة بمَوْتِه.
ومما ينتظم في الفصل.
مسألةُ هَرَبِ الجَمَالِ: فإذا أكْرَى جمَّالاً، وهَرَب، فإمَّا أن يذْهَب بها، أو يتركُهَا عند المكْتَرِي، فَإذا ذهَب بها، نُظِر؛ إن كانتِ الإجارةُ في الذمَّة، اكترى الحاكمُ علَيْه من ماله، فإن لم يَجِدْ له مالاً، اكْتَرَى عليه مِنْ بيت المَالِ، أو من المكتري، أو غيره، واكترى عليه. قال في "الشَّامل": ولا يجوز أن يكل أمر الاكتراء إلى المُكْتَرِي؛ لأنه يصير وكيلاً في حقِّ نفسه فإن تعذَّر الاكتراءُ علَيْه؛ فللمكتَرِي فسْخُ العقد، كما لو انقطع المُسَلَّم فيه عند المحلِّ، فإن فَسَخ، فالأجرة دَيْنٌ في ذمَّة الجَمَّال فإن لم يفْسَخ، فله مطالبةُ الجمال، إذا عاد بما التزمه، وإن كانت الإجارةُ إجارة عيْن، فللمكتري فَسْخُ العقْد، كما إذا نَدَّت الدابَّةُ، وإن تركها عنْد المُكْتَرِي، فإن تَبرَّع المكتري بالإِنْفاقِ عليها، فذاك، وإلا، راجع الحاكمَ؛ لينفق علَيْها، وعلَى من يقوم بتعهُّدها من مال المكري، إن وجده، وإلاَّ، استقرْ مَن علَيْه كما ذكرنا، ثم إنْ وثق بالمكتري، سلَّم إليه ما اقترضه. لينفق عليها، إِلاَّ، دفَعَه إلى مَنْ يثق به، وإذَا لم يجد مالاً آخَر، باع منها بقدر الحاجة؛ لينفِقَ علَيْها من ثَمَنِه، ولا يُخَرَّج على الخلاف في بيع المستأجر؛ لأنه محل الضرورة، ويبقى في يد المستأجر إلى انتهاء المدَّة، ولو لم يستقرِضِ الحاكِمُ من المكتري، ولكنْ أَذِنَ له في الإنْفَاقِ ليرجع، ففيه قولان:
أَظهَرُهُمَا: الجواز، كما لو استقرض منه ودفَغ إلَيْه.