ووجَّهه بأن المدة، وإنْ ذُكِرَت، فليستْ معينةٌ، وإنما المطلوب المنفعةُ فيها، فليكن الاعتبارُ بمضيِّ زمان إمكان الانتفاع، وبأن المكتري حبسها هذه المدَّةَ، استقرَّت عليه الأجْرَةُ، كما لو حبسها إلى آخر المدَّة إذا كانتْ مذكورة في الإجارة، فإذا سوَّيْنا بيْن نوعَي الإجارة في حقِّ المكتري، وَجَب أن نسوِّيَ بينهما في حقِّ المكري.
وأظهرهما، وبه أجاب الأكثرون: أنها لا تنْفَسِخ؛ لأنَّ هذه الإجارةَ متعلَّقة بالمنفعة دون الزمان، ولم يتعذَّرِ استيفاؤُها، ويخالفُ حبْس المكتري بأنا لو لم نقرِّر به الأجرَةَ لضاعَتِ المنفعةُ على المكْرِي، وعلَى هذا، ففي "الوسيط" أنَّ للمكتري الخيار؛ لتأخُّر حقه، وروايةُ الأصحاب تخالِفُ ما رواه؛ فإنَّهم قالُوا لا خيار للمكتري، كما لا خيارَ للمشْتَرِي، إذا امتنع البائعُ من تسليم المَبِيع مدَّةَ، ثم سلَّمة، ولو كانتِ الإجارةُ في الذِّمَّة، ولم يسلِّم ما يستوفِيِ المنفعةَ منْه حتى مضَتْ مدة يمكنُ فيها تحصيلُ تلك المنفعة، فلا فسْخ ولا انفساخَ بحالٍ، فإنَّه دَيْنٌ تأخَّر إبقاؤه.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: القسمُ الثالِثُ فواتُ المنفعةَ شَرْعاً، وهو كالفوات الحِسِّ في اقتضاء الانفساخ؛ لأنَّ تعذُّر الاستيفاء يَشْمُلُهُما، فإذا استأجَرَ لقلْع سنٍّ وجعه أو قطْعِ يد متآكلة، أو لاستيفاءِ قصاصٍ في نفْسٍ، أو طَرَفٍ، فالظاهرُ صحَّةُ اَلإجارة، لكِنْ فيه شيئان:
أحدهُما: كما قدَّمناه، فإذا قلْنا به، فلو زال الوجْع، وعفا عمَّن علَيْه القصاص، فقد أطْلَق الأكثرون القَولَ بانفساخ الإجارَةِ، لكنْ فيه شيئان:
أحدُهُما: أنَّ المنفعةَ في هذه الإجَارَة مضْبوطةٌ بالعَمَل دون المدَّة، وهو غير مأْيُوسٍ منه لاحتمال عَوْدِ الوجع، فليكن زوالُ الوجع كغصب العين المستأجرة؛ حتى يثبُتَ خيار الفسْحِ دون الانفساخ، ولفظ الكتاب حيث قال:"يوجِبُ الفسخ" ظاهرُهُ يوافِقُ مالكاً إلاَّ أنه أراد الانفساخ، عَلَى ما صرَّح به في "الوسيط".
والثاني: أن الشَّيْخ أبا محمَّدْ حَكَى وجْهاً أنَّ الإجارة لا تنْفَسِخ، بلْ يستعمل الأجير في قلع وتدٍ، أو مسْمَارٍ، ويراعَى تداني العمَليْن، وهذا ضعيفٌ، والقوي ما قيل؛ أنَّ الحكْمَ باَلانفساخ جوابٌ على أن المستَوْفَى به لا يُبْدَل، فإنْ جوَّزناه، أجبر بقلع سنٍّ وجعةٍ لغيره.