إجارة العَيْن. فلو كانت الاجارةُ في الذِّمَّة، وسلم دابَّةً بالوصف المشروط، فمضَتِ المدةُ عند المكتري، استقرت الأجرة أيضاً؛ لتعيُّن حقه بالتَّسْليم وحصول التَّمكُّن. وقوله [في الكتاب]"عينت الدابة أم لا" عبارة عن النوعين إجارةِ العَيْن، والإجارةِ في الذِّمَّة.
وقوله قبله:"قدرت المدَّةُ أم لا" إشارةٌ إلى الضبط بالمدة، والضبط بالمنفعة.
ولو كانتِ الاجارةُ فاسدةً، استقرَّ فيها أجرةُ المثْل بما يستقرُّ بها المسمَّى في الإجارة الصَّحِيحة، سواءٌ انتفع بها أو لم يَنْتَفِع، وسواءٌ كانتْ أجرةُ المثْلِ أقلَّ من المسمَّى، أو أكثر.
وقال أبو حنيفة: إن لم ينتفعْ، فلا شيْءَ عليه، فإن انتفع، فعلَيْه أقلُّ الأمرَيْن من المسمَّى، وأجرة المثل.
ولو أجَّر الحرُّ نفْسَه مدَّةً لعمل معلومٍ، وسلَّم نفْسَه، فلَمْ يستعملْهُ المستأْجِرُ حتى مضَتِ المدة، أو مضت مدةٌ يُمْكِنُ فيها ذلك العمل، ففي استقرار الأجْرَةِ خلافٌ ذكرناه في الغَصْب. والظَّاهر الاستقرارُ، ويجري الخلافُ فيما إذا ألزم ذمة الحرِّ عملاً، فسلَّم نفْسَه مدَّةَ إمكانِ ذلك العَمَل، ولم يستعملْهُ، وسبَبُ الخلاف أن الحرَّ لا يدْخُلُ تحت اليد على ما قدَّمناه.
وأجرَى صاحبُ "التتمة" الخلافَ فيما التزم الحُرُّ عملاً في الذِّمَّة، وسلَّم عبده؛ ليستعمله، فلم يستعمْلُه، فوجهه بما يقْتَضِي إثْباتَ الخِلاَفِ في كل إجارة على الذمَّة، ثم إذا قلْنا بعدم الاستقرار، فللأجيرِ أن يرفع الأمْرَ إلى الحكم؛ ليجبرَه على الاستعمال.
المسألة الثانية: أكْرَى عيناً مدةً، ولم يسلِّمْها حتى انقضتِ المدَّةُ انفسخت الإجارة، لقوات المعقُودِ عليه، ولو أنه استوفَى منفعَة المدَّة، حكَىَ المتولِّي فيه طريقَيْن:
أحدهما: أنَّهُ كما لو أتْلَفَ البائعُ المبيع قبل القَبْضِ.
والثاني: القطْعُ بالانفساخ؛ فَرْقاً بأن الواجبَ هناك بالإتْلافِ القيمةُ، وأنها قابلةٌ للبيع، فجاز أن يتعدَّى حكْمُ البيع إلَيْها، وههنا ما تقدَّر وجوبه أجرةُ المثل، وأنها لا تَقْبَل الإجارة، فلا يتعدَّى حكْمُ الإجَارة إليْها. ولو أمْسَكَهَا بعْضَ المدة، ثم سلَّم، انفسخت الإجارةُ في المدَّة التي تلِفَتْ منافعها، وفي الباقي الخلافُ فيما إذا تلِفَ بعضُ المبيع قبل القبْض، فإن قلْنا: لا تنفسخ الإجارةُ فللمستأجر الخيارُ، ولا يبدل زمانُ بزمان، ولو لم تكنِ المدةُ مقدَّرة، واستأجرَ دابَّةً للركوب إلَى بلدٍ، ثم لم يسلِّمْها، حتى مضتْ مدةً يمكن فيها المضيُّ إليه، ففيه وجهان يختار الإمام منهما أن الإجارةَ تنفسخ،