للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو أَجَّر أرضاً إجارة صحيحةً، ثمَّ غَرِقَتْ بسيل، أو ماءٍ نَبَعَ منها، نُظِر؛ إنْ لم يتوقَّع الخسارة مدة الإجارة، فهُوَ كما لو انهدمَتِ الدار، وإن توقَّع فللمستأجر الخيارُ بيْن الفسخ والإجارة، أما لو غصبت العيْن المستَأْجَرة، فإنْ أجاز، سقَطَ عنه من الأجرة بقدر ما كان الماءُ مُسْتِوياً علَيْهَا، وإنْ غَرِق نِصْفها فقد مضى نصْفُ المدة، انفسخ العقْد فيه، والظاهرُ أنَّهُ لا ينفْسَخِ في الباقي، ولكنْ له الخيارُ فيه، وفي بقية المدة، فإنْ فسخ، وكانتْ أجرةُ المدَّة لا تتفَاوت، فعلَيْه نصفُ المسمَّى للمدة الماضية وإن أجاز، فعليه ثلاثةُ أرباعِ المسمَّى: النصْفُ للمدَّة الماشية، والربع لما بقي.

وتعطل الرحى؛ لانقطاع الماء، والحمَّام؛ لِخَلَلٍ في الأبنية، وانتقاص الماء في بئْره كانهدام الدَّار، وكذا إذا استأْجَر قناةً، فَانقطع ماؤُها، ولو انتقص، ثَبَت الخيار، ولم ينْفَسِخ العقْد، ذكره في شرح "المُفْتَاح"، ومهْما ثبَتَ الخيار بسَبَب يقتضيه، فأجاز ثم بدا له أنْ يفْسَخ، نُظِر إنْ كان السَّبَب بحيث لا يُرْجَى زواله؛ كما إذا انقطعَ الماءَ، ولم يتوقَّع عوده، فلَيْسَ له الفسخ؛ لأنه عيْبٌ واحدٌ، وقد رضي به، وإنْ كان بحَيْثُ يُرْجَى زواله، فله الفسخ ما لم يزل؛ لأنَّه يقدر كلّ ساعة زواله، فيتجدَّد الضرر، وهذا كما إذا تركت الزوجة المطالبة بعْد مضيِّ مدة الإيلاء، أو الفسخ بعد ثُبُوتِ الإعسار، فلها العَوْد إليه، وكذا لو اشترى عَبْداً، فأَبقَ قبل القَبْض، وأجاز ثم أراد الفَسْخ، فله ذلك ما لم يَعُد العَبْد. ولو استأْجَر طاحونَتَيْنِ متقابلَتَيْن، فانتقص الماءُ، وبقي ماءَ تدُور به إحداهما، ولم يفسخ.

قال العبَّاديُّ: يلزمه أجرةُ أكثرهما وقال في "التتمة": إنَّه لو دَفَع غزلاً إلى نُسَّاجٍ، واستأْجره لنَسْج ثوب طوُلُه عشَرةُ أذْرُعٍ في عرض معْلُوم، فجاءه بالثَّوْب وطُوله أحدَ عَشَر لا يستحقُّ شَيْئاً من الأُجْرة؛ لأنَّه في آخر الطاقة الأولَى من الغزل، صار مخالفاً لأمره، فإِنَّه إذا بلغ طولُها عَشَرةً، كانَ من حَقَّه أَنْ يَقْطعها، لتعود إلى المَوْضع الَّذي بدَأَ منْهُ، فإذا لم يفْعَل، وقع ذلك وما بعْدَه في غَيْر الموْضِع المأْمُور، وإنْ جاءَ به، وطُوله تسعةً، فإن كان طُول السّدي عشرة، استحقَّ من الأُجْرَةِ بقَدْرِه؛ لأنَّه، لو أراد أَنْ ينسج عشرةً؛ لتمكن منْه، وإنْ كَانَ طُولُه تسعةً، لم يستحقَّ شَيْئاً؛ لمخالفته في الطَّاقة الأُولَى ولو كان الغَزْل المدْفُوع إلَيْه مسدى فأستأْجَره كما ذكَرْنا، ودَفَع إلَيْه من اللَّحْمة ما يَحْتَاج إلَيْه، فجاء به أطْوَل من العرْض المَشْروط، لم يستحقَّ للزَّيادة شَيْئاً، وإنْ جاءَ به أقْصَر مَن العَرْض المشْرُوط، اسْتحقَّ بقدره من الأجرة، وإن وَافَقَ في الطُّول، وخالف في العَرْض، فإن كان ناقصاً، نُظِر؛ إن كان ذلك لمجاوزته القدر المشروط من الصَّفَاقة، لم يستحقَّ من الأجرة شيئاً؛ لأنَّه مفرِطٌ بمخالفته أمره، وإنْ راعى المشْرُوط في صفة الثَّوْب رقَّةً وصفاقةً، فله الأجرة؛ لأن الخَلَلَ، والحالةُ هذِهِ، من السّدي فإن كان أزَيدَ، فإنْ أخلَّ بالصَّفاقة، لم يستحق شيئاً، وإلاَّ استحق الأجرةَ بتمامها؛ لأنه زاد خيراً.

<<  <  ج: ص:  >  >>