للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستقرَّت الأجرة؛ لأنَّ الطريق لا يتعيَّن، وكذا لو أخذ الدابَّة، وأمْسَكَها في البَيْتِ يَوْماً، ثُمَّ خَرَجَ، فإذا بَقِيَ بيْنَه وبين المقْصِدِ يوْمَ استقرَّت الأجْرةُ، ولم يكنْ له الركوبُ، وكذا لو ذَهَبَ في الطريق؛ لاِسْتِقَاء ماءٍ، أو شراء شيء يُمْنَة ويسرة كان محسوباً من المدَّة، ويترك الانتفاع إذا قرب من المقْصِد بقدره.

ولو دَفَع ثَوْباً إلَى قصَّار ليقصره بأجْرةٍ، ثم جاء، واسْتَرْجعه، فقال: لم أقصره بعْدُ، فلا أردّه وقال صاحبُ الثَّوْب: لا أريدُ أنْ تقصره، فارْدُدْه إلَيَّ فلم يردَّ وتَلِفَ الثوب عنده، فعلَيْه الضمان، فإنْ قصره وردَّه، فلا أُجرَةَ له، وعلى هذا قياسُ الغزل عنْد النَّسَّاج ونظائره (١)، ولو اسْتَأجره، ليكتُب صَكَّاً على هذا البياض، فكتبه خطأً.

قال في العَبَّادِيُّ: عليْهِ نِقصانُ الكاغِدِ، وكذا لو أمَرَه أن يكتب بالعربيَّة، فكَتَبَ بالعجميَّة، أو بالعَكْس (٢).

وذكر العباديُّ في "الزيادات" أنه إذا استأجر دابَّةً، ليحمل الحنطة في موْضع كذا إلَى داره يوماً إلى الليل، فركبها في عَوْده، فعطبت الدابَّةُ، ضَمِن؛ لأنَّه اسْتأجرها للحَمْل لا للرُّكُوب، وقِيلَ: لا يضمن للعُرْفِ، وأنه الأكار لو تعمَّد ترْكَ السَّقْي، والمعاملةُ صحيحةٌ حتى فسد الزَّرْع، ضَمِن؛ لأنه في يده، وعَلَيه حفْظهُ.

وفي فتاوى القَفَّال: أنَّه إذا تَعدَّى المُسْتَأْجر بالحَمْل على الدابَّة، فقَرَّح ظَهْرَها، وهلَكَتْ منْه، لزمه الضمان، وإن كان الهلاكُ بَعْد الردِّ إلى المالك.

مؤخرةٌ ثالثةٌ في مسائل مِنْ شَرْط الباب الثالث من المنثور للمُزَنِيِّ أنَّه لَوِ استأْجَر لخياطةِ ثوْبٍ، فخاط بعْضَه، واحترق البعْض، استَحَقَّ الأجرة لما عَمَلْ.

وإنْ قلْنا: ينْفَسِخ العقد بتَلَفه، استحق أجرة المثل، وإلاَّ، فقِسْطُه من المُسَمَّى.

وأنه لَوِ استأْجَرَ لحَمْل حبٍّ إلَى موْضعٍ مَعْلُومٍ، فَزَلِقَتْ رِجْلُه في الطَّريق، وانكسر الحَبُّ لا يستحقُّ شَيئاً منَ الأُجْرة.

وفرق بينهما بأنَّ الخياطة تظْهَر على الثَّوْب، فوَقَعَ العملُ مُسَلَّماً بظهور أثَره، والحمل لا يظْهَر أثره على الحَبِّ (٣).


(١) قال النووي: صورة المسألة إذا لم يقع عقد صحيح.
(٢) قال النووي: ولا أجرة له، ويقرب منه ما ذكره الغزالي في "الفتاوى": أنه لو استأجره لنسخ كتاب، فغير ترتيب الأبواب، قال: إن أمكن بناء بعض المكتوب بأن كان عشرة أبواب، فكتب الباب الأول آخراً منفصلاً، بحيث يبنى عليه، استحق بقسطه من الأُجرة وإلا، فلا شيء له.
(٣) وهل الخيار على الفور أو التراخي، اختلف المتأخرون في ذلك، والأوجه كما أفتى به الشيخ زكريا رحمه الله أنه على الفور؛ لأنه عيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>