ذلك واجبٌ علَيْه بالشَّرْع، فلا يجوز أخْذُ العِوَض عليه، وإنْ كان في يَدِ غيرِه فدَلَّ عليه، استحق؛ لأنَّ الغالبَ أنَّه يلحقه مشقَّةٌ في البَحْث عنه. وفيما حكيناه ما ينبئك أنَّ ما يُعْتبر في العَمَلِ لجواز الإجارة يُعْتَبَر لجواز الجعَالَةِ سوى كونه معلُوماً (١)، وربَّما فُهِم ذَلك مِنْ قوله:"وهو كلُّ ما يستأجر علَيْه، وإن كان مَجْهولاً".
قَالَ الرَّافِعِيُّ: يجبُ أن يكون الجُعْلُ المشْروطُ مَعْلوماً كالأُجْرة، فإنَّه لا حاجةَ إلى احتمال الجَهَالة فيه، بخلاف العَمَل، وأيضاً، فإِنَّه لا يكادُ يَرْغَب أحدٌ في العمل، إذا لم يعلَمْ بالجُعْلِ، فلا يَحْصُلُ مقصود العقْدِ، فإن شرط جُعْلاً مجهولاً؛ بأن قال: مَنْ ردَّ آبقي، فله ثوبٌ أو دابَّةٌ، أو إنْ رددتُه، فعلي أن أُرضِيَكَ أو أُعْطِيَكَ شيئاً، فسد العقد والمستحَقُّ بالعمل أُجرة المثل، وكذا لو جَعَلَ الجُعْلَ خمراً أو خنزيراً، ولو جَعَل الجُعْلَ ثوباً مغصوباً، ذكر الإمامُ احتمالَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُخرِّجه على القَوليْنِ فيما إذَا جَعَلَ المغْصُوب صَدَاقاً، حتَّى يرجع في قولٍ إلَى قيمة ما يقابل الجُعْل، وهو أجرةُ المِثْل، وفي قول إلَى قيمة المسمَّى.
وثانيهما: القطْعُ بأُجرةِ المِثْل؛ لأنَّ العِوَضَ ركْنٌ في هذه المعاملة؛ بخلاف الصداق، ولو قال: من رَدَّ عبْدِي، فله سَلَبُهُ أو ثِيَابُهُ قال في "التتمة": إن كانتْ معلومةً أو وصفها بما يفيدُ العِلْمَ، فللرادِّ المشروطُ، وإلاَّ، فله أُجْرَةُ المِثْل، فإنْ قال: فله نِصْفُهُ أو رُبْعُهُ، فالجوابُ في "التتمة" الصِّحةٌ، وفي "أمالى" أبي الفرج السرخسيِّ المنعُ، وهو قريبٌ من استئجار المرْضِعة (بجزء) من الرقيق الرَّضيع بعد الفِطَام، ثم في الفصْلِ مسألتان:
الأولَى: لو قال: منْ رَّد عبْدِي من بلَدِ كذا، فله دينارٌ، فيجيء أولاً فيه الخلافُ المذكورُ في أنَّ العَمَلَ المعلومَ، هَلْ يجوزُ فيه الجَعَالة.
إنْ قلْنا: نعم، وهو الأصَحُّ فمَنْ ردَّه من نصف الطريق، استحق نِصْفَ الجُعْلِ،
(١) قال النووي: فمن ذلك أنه لو قال: من أخبرني بكذا، فله كذا فأخبره به إنسان فلا شيء له؛ لأنه لا يحتاج فيه إلى عمل كذا صرح به البغوي وغيره.