الشُّروع في العمل، فلا شيْءَ للعاملِ، وإن كان بعْدَهُ، فإنْ فسَخَ العامِلٌ لم يستحقَّ لما عمل شيئاً؛ لأنَّهُ امتنع باختياره، ولم يَحْصُلْ غرضُ المالِك بما عَمِل، وإنْ فَسَخ المالِكُ، فوجهان مذكوران في "التهذيب":
أَحَدُهُمَا: أنَّه لا شيْء لَلعامل أيضاً، كما لو فسخ بنَفْسِه.
وأَصَحُّهُمَا: أنَّه يستحقُّ أُجْرَةَ المثْل لما عمل كَيْلاَ يحبط سعْيُه بفسخ غيرِه، وهذا ما أورده المعظمُ، وربما عبَّروا عنه بأنَّهُ ليس له الفَسْحُ؛ حتى يَضْمَنَ العامِلُ أُجْرَةً مثل ما عمل. وذكر الإمامُ فيما إذا فَسَخَ المالِكُ بعْد الشُّروع في العمل، والعاملُ معيَّنٌ أنه لا يبعد تخريجُه على الخلاف في عزْل الوكيل في غيبته، وهذا بعيدٌ عن كلام الأصْحَابِ.
ورَدَّ أبو سعيد المتولِّي هذا التشبيه إلى شيْءٍ آخرَ، وهو أنَّ ما يعمله العامِلُ بعد الفسخِ لا يستحق عليه شيئاً إن كان عالماً بالفسخ، فإن لم يعلمه بني على ذلك الخلاف. وكما ينفسخ الجعالة بالفسخ تنفسخُ بالمَوْتِ، ولا شيْء للعامِل بما يَعْملُ بعد مَوْت المالِكِ، ولو قَطَعَ بعْضَ المسافة، ثم مَاتَ المَالِكُ، فردَّه إلَى وارثه، استحَقَّ من المسَمَّى بقدر ما عمِلَ في حياته، ذكره أبو الفرج السَّرْخَسِىُّ.
ومنها: أنَّهُ يجوز التصرُّفُ في الجُعْلِ بالزيَادةِ والنُّقْصَانِ، وبغيرِ الجنس قَبْل العمل فلو قال: منْ رَدَّ عبْدي، فلَهُ عَشَرةٌ، ثم قال: من ردَّه، فَلَهُ خمسةٌ، أو بالعكْس، فالاعتبار بالنِّداء الأخيرِ، والمذكورُ فيه هو الذي يستحقُّهُ الرادُّ.
نعم لو لم يَسْمَعِ العاملُ النداءَ الأَخِيرِ قال في "الوسيط": احتمل أَنْ يقال: يرْجِعُ إلَى أُجْرَة المِثْلِ.
ثم قولُه في الكتاب "قبْلَ فَرَاغِ العملِ" يقتضي جوازَ الزيادةِ والنقصانِ، ما لم يتمَّ العملُ، وفي "المهذَّب" وغيره أنَّه يجوزُ ذلَكَ قَبْلَ العملِ، كما قدَّمناه، وهذا يشعر بما قبلَ الشُّروعِ، ولا شَكَّ في جَوَازِ هَذَا التصرُّفِ قَبْلَ الشُّروع، وأمَّا في أثناء العَمَلِ، فالظَّاهرُ تأثَيرُه في الرجُوعِ إلَى أجْرةِ المِثْلِ؛ لأنَّ النداء الأخير فَسْخٌ للأول والفسخ في أثناء العمل يَقْتَضِي الرُّجوعَ إلى أُجْرَةَ المِثْلِ.
ومنها توقُّف استحقاقِ الجُعْلِ على تمام العَمَل حَتى لو سَعَى في طلب الآبق وردِّه، فمات في الطريق، أو على باب دارِ المَالِكِ، أو هرَب أو غصَبَةُ غاصبٌ، أو تركه العامل، أو رَجَع بِنَفْسِهِ فلا شيء عليه للعامل، لأنَّ الاستحقاقَ معلّقٌ بالرجوع (١) وهو
(١) قال النووي: ومنه لو خاط نصف الثوب فاحترق، أو تركه، أو بني بعض الحائط فانهدم، أو تركه، فلا شيء للعامل. قاله أصحابنا.