للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: القَطْعُ بأنَّهُ يَمْلِكُ كما لو لم يَعْلَم، وأمَّا البقعةُ المُحْيَاةُ، فقد قال الإمامُ: ظاهرُ المَذْهَبِ أنَّها لا تُمْلَكُ؛ لأنَّ المَعْدِن يُتَّخذ داراً، ولا مزرعةً، فالقصدُ فاسدٌ.

ومنهم مَنْ قال: يَمْلِكُهَا بالإحْيَاءِ، وكان ما حكَيْناهِ مِنَ الخلافِ في المعادِنِ الظَّاهرة عن "الوسيط" مأخوذٌ من هذا.

ومما يتفرَّعُ على القوْلَين أنَّ المَعْدِنَ البَاطِنَ، إذا عُمِلَ عليه في الجاهلية، هل يُمْلك، وهَلْ يجوزُ إقطاعُهُ؟ إنْ قلْنا: إنَّ هذا المعدِنَ يُمْلَكُ بالحَفْر والعَمَل، فهو مِلْكٌ للغانمين؛ كأراضي دار الحَرْبِ التي أحْيَوْهَا، ثم اسْتَولَيْنَا عليها، وإن قلْنا: لا تُمْلَكُ، ففِي جوازِ الإقْطَاع ما قدَّمناه منَ القولَيْن.

وقولُه في الكتاب "وإن لم يُحْيي، ولكنَّه أظهر بعمله أراد أنَّهُ لم يُحيي كما تَحْيا المواتُ بأن يتّخذَ مَسكناً أو بستاناً أو مزرعةً، ولكنَّهُ حَفَر حتى ظَهَرَ النيلُ.

ومن الأصحابَ مَنْ يُطْلِقُ لَفْظَ الإحْياء على العَمَلِ في المعدن؛ لأنَّه إصْلاَحٌ له، ويقولُ: هَلْ يملك المعدِنَ بالإحياء؟ فيه قولان، وهذا الاختلافُ يرجع إلى مجرَّد الإصْلاحَ. وفي قوله: "أظهر بعملِه" ما يشير إلَى أنَّ الإظهارَ لا بُدَّ منه ليَجيء القولان، ونختم الفصل بمسألتين:

إحدَاهُمَا: ظاهرُ المروِيِّ أنَّهُ مَالِكُ المعدن الباطِن، لا يجُوزُ له بَيْعُهُ؛ لأنَّ المقصودَ منْه النيلُ، والنِّيلُ متفرِّق في طبقات الأرض مجهولُ القَدْر والصِّفَة، فصَارَ كما لو جمع قَدْراً من تراب المَعْدِن، ومنه النِّيل وباعَه. وحَكَى الإمامُ وجْهاً آخَرَ في جوازِه، لأنَّ المبيعِ رقبة المعدِنَ، والنِّيل فائدته وريعه.

الثانية: مَلَكَ معْدِناً باطناً، فجاء غَيْرُهُ، واستخرَجَ منْه نيلاً بغير إذنِه، فعليه ردُّه، ولا أُجْرَةَ له، ولو قال المالِكُ: اعْمَلْ فيه، واسْتَخْرِجِ النِّيلَ لي، ففعل، [ففي استحقاقه] الأُجْرَةَ على الخلاف فيما إذا قال: اغْسِلْ ثوبي، فغسل.

ولو قال: اعْمَلْ فما استَخْرَجْتَه، فهو لك، أو قال: استَخْرِجْ لنَفْسِكَ، فالحاصل للمالِك؛ لأنَّه هبة مجهولٍ، وكان يُمْكِنُ تَشْبيهُه بإباحةِ ثمارِ البُسْتَانِ ونَحْوِها, لكنَّ المنقولَ الأوَّلْ. وفي استحقاقِ الأُجرةِ وجهان:

أحدهُمَا: المنعُ؛ لأنَّه عَمِلَ لنَفْسِهِ.

والثاني: وبه قال ابنُ سُرَيْجٍ: أنَّها تجبُ؛ لأنَّ عَمَلهُ وقَع للمالِك، وهو غيرُ متعدٍّ بعملِه ولا متبرِّع (١)، ولو قال: اعْمَلْ فما استخرجْتَه، فهو بيننا مُنَاصفةً، لم يصحَّ؛ لأنَّ


(١) قال النووي: ثبوتها أصح.

<<  <  ج: ص:  >  >>