توضَّأت بعد انقطاع الدم، وشرعت في الصَّلاة، ثم عاد الدم فهو حدث جديد يجب عليها أن تتوضأ وتستأنف الصلاة. واعلم أن المُسْتَحَاضَةَ في غالب الأمر لا تدري عند انقطاع دمها أنه شفاء أم لا، وسبيلها أن تنظر هل تعتاد الانقطاع أم لا؟ وتجري على مقتضى الحالتين كما بينا. وحكم الشِّفَاء الكلي إذا عرف هو المذكور أولاً، وهذا الذي رويناه، وهو إيراد معظم أئِمَّةِ أصحابنا العراقيين وغيرهم، وبينه وبين كلام صاحب الكتاب بعض الاختلافات، لأنه قسم حال الانقطاع إلى قسمين:
أحدهما: ألا يبعد من عادتها العود.
والثاني: أن يبعد، وهما جميعاً يفرضان في الَّتي لها حالة عود، وما حكيناه يقتضي جواز الشروع في الصَّلاة متى كان العود معتاداً بعد أم قرب، وإنما يمتنع الشُّروع من غير استئناف الوضوء إذا لم يكن العود معتاداً أصلاً، ويجوز أن يؤول كلامه على ما ذكره المعظم ولا يبعد أن يلحق ندْرَة العود، وبعده في عادتها بعدم اعتياد العود -والله أعلم-. ثم قوله:"فلها الشروع في الصلاة في الحالة الأولى" محمول على ما إذا كانت مدة الانقطاع يسيرة، وإن كان اللفظ مطلقاً أما لو كانت مديدة، فلا بد من إعادة الوضوء كما سبق، ثم عروض الانقطاع في أثناء الصلاة كعروضه قبل الصَّلاة، بناء على ظاهر المذهب في أن الشِّفاء في الصلاة كهو قبلها، فإذا لم يكلن معتاداً لها، أو جرت على عادتها بالانقطاع قدر ما تتمكن فيه من فعل الطهارة، والصلاة بطلت طهارتها وصلاتها، وإن كان الانقطاع معتاداً لها ومدته دون ذلك، لم يؤثر.
وقوله:"فإن انقطع قبل الصلاة" إنما قيد بما قبل الصلاة؛ لأنه أراد ترتيب الشُّروع عليه لا ترتيب حكم ينتظم الحالتين (١).
(١) قال النووي: ولنا وجه شاذ: أن المستحاضة لا تستبيح النفل بحال، وإنما استباحت الفريضة مع الحدث الدائم للضرورة. والصواب المعروف أنها تستبيح النوافل مستقلة وتبعاً للفريضة، ما دام الوقت باقياً، وبعده أيضاً على الأصح، والمذهب: أن طهارتها تبيح الصلاة ولا ترفع الحدث. والثاني: ترفعه. والثالث: ترفع الماضي دون المقارن والمستقبل، وإذا كان دمها ينقطع في وقت ويسيل في وقت، لم يجز أن تصلي وقت سيلانه، بل عليها أن تتوضأ وتصلي في وقت انقطاعه، إلا أن تخاف فوت الوقت فتتوضأ وتصلي في سيلانه، فإن كانت ترجو انقطاعه في آخر الوقت، فهل الأفضل أن تعجل الصلاة في أول الوقت أم تؤخرها إلى آخره؟ فيه وجهان مذكوران في "التتمة"، بناء على القولين في مثله في التيمم. قال صاحب (التهذيب): لو كان سلس البول، بحيث لو صلى قائماً سال بوله، ولو صلى قاعداً استمسك، فهل يصلي قائماً أم قاعداً؟ وجهان: الأصح قاعداً، حفظاً للطهارة ولا إعادة عليه على الوجهين. والله أعلم - الروضة (١/ ٢٥٣).